حرب استراتيجية وخيارات مفتوحة

كان هناك اتفاق نهائي على أن تسري هدنة غير مشروطة من بعد منتصف ليلة الجمعة قبل الماضية حتى نهاية شهر رمضان وهي الهدنة التي فرضتها ضغوطات مجلس الأمن بإلحاح شديد لتدارك الوضع الإنساني المأساوي الذي يتفاقم في بلادنا حسبما أفاد تقرير منظمة العفو الدولية الأخير حيث على ذات الصعيد لاقى هذا القرار تأييدا داخليا وترحيبا واسع النطاق كما جرت عدة تفاهمات لضرورة انصياع الطرفين لمتطلبات هذه الهدنة وبإشراف مباشر من مجلس الأمن نفسه والذي تبنى بدوره التنسيق بين الطرفين المتحاربين.
وهنا قد يبدو من الغباء السؤال : من هما الطرفان اللذان نسق بينهما ¿! لأن المفترض بديهيا أن تكون المكونات اليمنية في الداخل طرفا أول بينما في الطرف الثاني آل سعود وتحالفاتهم وعملائهم المرتزقة في الداخل والخارج .. وها هنا تحديدا وعند هذه النقطة بالذات حدثت عاصفة من نوع آخر !
العاصفة التي حدثت لنا تكمن في تخبط زمني مديد فرض نفسه بوضوح على التغطية الإخبارية لدولة العدوان فيما يخص هذه الهدنة وظروفها وملابساتها وعدم توفر بيانات كافية ومؤكدة عن تفاصيلها ووقتها ومضمونها بل ومواظبة تلك القنوات كعادتها على المكابرة والتلفيق إلى أن تم تزويدها في وقت لاحق بالخبر اليقين الذي أذاعته كمن عثر أخيرا على خارطة الكنز.
وهنا يتفاعل معي سؤال الآن: ترى مع من بالضبط كنا نعقد اتفاقية عقد الهدنة ¿ فحسب اعتقادي أن الرئيس الراحل معمر القذافي لو كان ما يزال حيا ووضع في موقفنا هذا الذي لا نحسد عليه كان سيسأل سؤاله الشهير : من أنتم ¿ دون أن يلومه أحد هذه الأيام.
ثم إنه ما هذا الصمت المهين لمجلس الأمن بينما يشهد هدنته التي كان حريصا عليها وهي تخترق منذ دقائقها الأولى¿ أو السؤال الأكثر منطقية من ذا الذي ابتلع لسان ولد الشيخ وبقية أعضاء مجلس الأمن وصادر أصواتهم في الدفاع عن هدنتهم الموقرة¿ وأخيرا وليس آخرا لماذا ¿ أقصد ما هو الحدث الخطير الذي جد في الحرب والذي دفع الطرف الثاني الذي عقدنا الهدنة معه ( كائنا من كان ) إلى التراجع عنها بصورة مباغتة وإلى الشروع في التخطيط لخطوة أخرى أكثر جدوى وفاعلية.. ففي الحين الذي أمضى وقتا غير قصير يدرس أبعادها كانت تلك القنوات المحلية للعدوان تعيش وقتا عصيبا وتبحث عن مخلص ينقذها .. فمرة نفت صحة الخبر من الأساس بذريعة عدم موافقة الحكومة الشرعية على الهدنة ثم مرة أخرى بعد أن جاءها الغيث من مركز القيادة بدعوى أن الجيش واللجان هم الذين اخترقوها أولا !
وهنا مؤشر في غاية الخطورة يلزمنا الوقوف بصدده وتحليله بعقلانية.. ماذا طرأ على من أبرمنا معهم الهدنة (أيا كانوا كما أسلفت) وما هو الجديد بالتحديد الذي حدث خلال تلك الساعات القليلة حتى يتبدل موقفه السابق المؤيد للهدنة والذي اضطر بعده مجلس الأمن للتهرب والصمت فيما هو يقوم بالطائرات ليضرب أهدافا مدنية جديدة بشراسة وفي وتيرة تصاعدية واستفزازية.
وحتى أريحكم من عناء التفكير سأخبركم رأيي .. أما الجديد والأمر الوحيد الذي حصل في تلك الساعات القليلة وبكل بساطة هو خطاب السيد عبدالملك الحوثي الذي توعد فيه العدوان قائلا “لدينا خيارات استراتيجية” وذلك عينة ما جعلهم ينتقلون لهذه الخطوة المتقدمة بالسرعة القصوى وهو -في نظري- ما كان يبحث عنه العدوان بالتحديد .
تسألونني كيف¿ .. أقول لكم:
من تابع استراتيجية العدوان منذ بداياته لعله كان سيدرك مثلي الأبعاد الحقيقية له وبشكل أكثر وضوحا وإدراكا وكان سيفهم أن من يدير عملية القصف ويتحكم بها ليس سعوديا بالمرة وليس عربيا على الإطلاق.
كان واضحا من خلال حرب الإبادة الجماعية التي مورست ضدنا أنه كان يسوقنا إلى هذه الخيارات الاستراتيجية التي أعلنها السيد عبدالملك الحوثي في آخر خطاب له والذي هو نفسه كان قد سبقنا إلى فهمها منذ البداية نفسها حيث لم ينجر وراءها رغم البشاعة التي كان يعرف نواياها معرفه يقينية ويدرك جيدا ما كان يبغيه ذلك القصف البربري من تحت ربطة العقال السوداء ومن وراء الأعلام السود.
فمن ألهمه في وقت مبكر ما كان يرمي له هذا القتل العمد والحرب الشاملة ..لا أحد يعلم سوى الله .. لكنه قالها لهم في أحد خطاباته .. قالها لهم وذلك أرعبني كثيرا .. قال : إن من يستخدمهم في حربه يرتكب جرائم في غاية السوء بالنيابة عنهم تمهيدا لعزلهم .. قالها هكذا : تمهيدا لعزلهم .. فبالله أي عقول يمتلك هؤلاء الحمقى ¿ .. لماذا لم يتوصلوا حتى الآن لهذا الاستنتاج¿ وكيف لم يفهم من خلال السيناريو البشع ومن خلال الحرب المنزوعة المكابح والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء أن احتمالية العودة بنصر ولو حتى صوري باتت مستحيلة وأن الأمر برمته غرضه منذ البداية توريطهم في دمائنا بأبشع كيفية ممكنة.
والسبب أصبح الآن شديد الوضوح .. وذلك حتى يقحمنا في حرب مفتوحة معهم على البقاء.. أي أن نخوض معهم حرب حياة أو موت فنتقاتل وهو يتفرج .. فإما أن نقتلعهم من قصورهم الفارهة التي

قد يعجبك ايضا