كيف خسرنا قيمنا الكبرى¿ وهل لنا من عاصم¿

كثيرة هي خسائرنا وانتكاساتنا التي تتناسل في حياتنا كل يوم كقطع الليل المظلم بالفعل لقد استطاع المستعمöر الجديد أن يصرفنا تماما عن قضايانا وقيمنا الكبرى وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي يجب أن تظل السطر الأول في قائمة أولوياتنا, والثابت الذي لا يقبل التصير أوالتحول عنه .
نعترف لم تعد أخبار شعبنا العربي في فلسطين المحتلة هي المتصدرة لنشرات الأخبار وخطب الجمعة والأعياد, ولم نعد نهتف في مدارسنا وساحاتنا وجامعاتنا (عاشت فلسطين عربية حرة) على الأقل من باب التأثر بالشهيد صدام حسين حينما كررها وحبل مشنقة الأمريكان ملتف حول عنقه الطاهر صبيحة/عيد الأضحى ذلك المبارك, الحزين .
إننا نغرق في بحور من الرمال المتحركة, منشغلون للآخر بقضايا التشظي والتشققات الداخلية في كل قطر عربي على حدة.
والخبر الأحدث هو أننا تقريبا فقدنا تعايشنا, وحاستنا القومية وغيرتنا على كل الأشياء الجميلة والمشتركات التي تجمعنا كيمنيين من جهة وكعرب من جهة ثانية, لقد أصبحت مفردة العدو والعدوان تستخدم في ما بيننا بشكل مخيف فبدلا من استخدامها مع العدو الخارجي والحقيقي, صرنا نستخدمها مع بني جلدتنا, فهنا مثلا يقول قطاع واسع من الناس ولهم مبرراتهم طبعا : “العدوان السعودي”, “العدو السعودي”, “المجرمون من آل سعود”, “العدو السعوصهيو أمريكي” “التكفيريون” وهناك في المقابل من يقول أيضا “الغزاة” القادمون من صعدة, “عملاء إيران” “المحتلون”, “الانقلابيون”, “المجوس” “الحوافيش”, وهلم جرا.
على الجميع التحلي بالشجاعة والاعتراف بحقيقة أننا قوم غدونا حائرين, تائهين, ضائعين, ليس لنا هدف ولا رؤية, لا عاصم لنا, ولا قدوة ولا قيادة نلتف حولها, لقد فقدنا بوصلة التسامح والمنطق, والمحبة.
هل تتذكرون معي أن أكثر الأسماء التي كانت تتكرر في مفرداتنا وإعلامنا ومناهجنا المدرسية ومحاضراتنا وفعالياتنا المختلفة مثل, الزعيم (جمال عبدالناصر) (الحبيب بورقيبه) (عمر المختار) (هواري بو مدين) (إبراهيم الحمدي) (صدام حسين) (شكري القوتلي) (أحمد عرابي), (سعد زغلول), (الوحدة العربية), (القومية), (الأمن العربي), (الحرية), (الفكر التقدمي) (الموقف العربي الموحد), (الأمة) قد حل محلها مفردات مثل (الربيع العربي) (الفقر) (داعش) (جبهة النصرة) (أبو بكر البغدادي) (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) (جند الشام) (جيش تحرير القدس) (سنة . شيعة) وغيرها من المصطلحات الرحالة والفتاكة.
لا نبالغ إن قلنا إن الضياع يتجلى في كل مظهر من مظاهر حياتنا وإننا نبدو كجسم غريب, تائه يسبح نحو المجهول في فضاء لا متناه.
الكثير من أقطارنا أصبحت ساحات صراع عبثي لكثير من التناقضات والقوى الداخلية والخارجية وربما أننا في اليمن من أكثر الشعوب التي أبتليت بذلك, لهذا تجدنا منهمكين حتى الثمالة بمآسينا, بقصف تحالف العدوان العربي العنيف الذي يكرمنا به ليلا ونهارا طوال ثلاثة أشهر ونصف, ومنشغلون – أيضا – بجدليات عدة كـ جدليتي الرئاسة والحكومة اللتين عجزتا على تأمين قطعة أرض على التراب اليمني لا تزيد مساحة حتى عن (20) فدانا كي تقنع البعض بمشروعيتها وبسالتها وتحارب خصومها من خلالها ولها حينئذ أن تطالب بتشديد الحصار على الشعب وإلقاء المزيد من القنابل الفراغية والحرارية والصواريخ على رؤوس من بقي من عامة اليمنيين تحت القصف والحصار, ممن فضلوا الموت في وطنهم بدلا من الخيارات الأخرى, أو ممن عجزوا في الحصول على تأشيرات المغادرة لفنادق وفلل الرياض وجدة وأنقرة والدوحة ودبي وعمان والقاهرة إما هربا من الملاحقات, أو طمعا في عطايا التحالف وسخاء البشت/المشلح الخليجي .
حقيقة يجب أن يعرفها الجميع : الشعب اليمني يعيش اليوم وضعا استثنائيا وإعجازيا, ويكفي البرهنة على ذلك بالقول إن جميع مقومات الدولة والسلطة والحياة العصرية ولو في حدها الأدنى غير متوفرة بالخالص بمعنى ليس مشكلته فقط, الحروب الداخلية والتدخل والحصار الخارجي إنما هو يعيش بدون طاقة, بدون وقود, بدون مياه صالحة للشرب. وبدون مصادر دخل للمالية العامة, وبدون رعاية صحية ومستشفيات حكومية تعالج المرضى, وبدون أطباء واستشاريين أجانب, وبدون وزارة داخلية وبدون جامعات ومعاهد وبدون ثقة متبادلة بين الأطراف السياسية, حتى السجون لم تعد في كثير من المحافظات محكمة الإقفال على نزلائها بل قد فتöحت أبوابها وقصöفت أسوارها وفر منها آلاف القتلة واللصوص والمجرمين وأصحاب السوابق .
وكل هذا كفيل بتحويل اهتمامات ورادارات نسبة كبيرة من اليمنيين لتتبع تصريحات العميد أحمد العسيري والناطق باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية, وإسماعيل ولد الشيخ أحمد وما هو جديد حول الهدنة, إضافة للحصول على معلومات وافية ومحدثة عن آخر أسعار البنزين (المخلوط) بالماء في السوق السوداء واسطوانات الغاز المنزلي الشبه فارغة والشمع والمصابيح الصينية رديئة الصن

قد يعجبك ايضا