خواطر رمضانية – (26)…أبو جعفر المنصور العباسي والشعر!!

أبو جعفر المنصور هو المؤسس الحقيقي لدولة بني العباس وهو الذي اختط مدينة بغداد.
كان حازما خشنا زاهدا في حياته حتى اعتبره الناس بخيلا وسموه “أبو الدوانيق والدانق” وهي وحدة قياس أشبه بالفلس وإنما سمي كذلك لأنه كان يجمع الأموال بحزم ولا ينفقها إلا في وجوهها الصحيحة.
ولم يكن يعطي الشعراء كما فعل ويفعل الخلفاء مع أنه كان فقيها أديبا عالما بالشعر وحافظا لأشعار العرب حتى قيلت في حقه الأساطير فقيل أنه كان يحفظ الشعر من أول سماع وكان له غلام يحفظ الشعر من سماعه لمرتين وجارية تحفظ الشعر إذا سمعته ثلاث مرات ولذلك امتحن الشعراء وتحداهم أن من يأتي له بقصيدة من الشعر لم يحفظها فله مكافأة عظيمة فكان كلما قدم إليه شاعر بقصيدته من الشعر وألقاها أمامه قال له هذه القصيدة قد سمعتها ثم يسمعها إياه كما ألقاها فيقول له الشاعر: لقد نظمتها ولم يسمعها أحد من الخلق! فيقول لغلامه: ما تقول يا غلام¿ هل سمعتها¿¿ فيقول الغلام: أجل يا مولاي! فيسمعه إياها فإذا جادله الشاعر يقول له: حتى الجارية تحفظها فيقول لها: ما تقولي يا جارية¿ ألم تسمعي هذه القصيدة¿¿ فتقول: بلى.. وتسمعه إياها حتى جاءه الأصمعي في قصيدته الشهيرة:
صوت صفير البلبل ** هيج قلب الثمل ..
ومرة ذهب للحج ومر بالمدينة فطلب من وزيره الفضل بن الربيع أن يأتيه بعارف بالمدينة فقد طال عهده بها وأصبح يجهل ديارها فأتاه برجل خبير وعارف بالمدينة وبالشعر وبالأنساب وكان الرجل كلما سأله الخليفة عن شيء أجابه بأحسن جواب ولا يتكلم حتى يسأله فأعجبه وأمر له في نهاية اليوم بعشرة آلاف درهم وقال له: خذها من الربيع.
فذهب الرجل للربيع فقال: لم يأمرني ولكنه خارج في الغد فعليك بتذكيره وفي الغد بدأ جولته والرجل على عهده به لا يتكلم حتى يسأله الخليفة وقبل أن يختما اليوم رأى منزلا فقال للخليفة مبادرا بغير سؤال وقال: وهذه يا أمير المؤمنين دار عاتكة بنت يزيد التي يقول فيها الأحوص:
يا دار عاتكة التي أتعزل
حذر العدى وبك الفؤاد موكل
فاستغرب الخليفة أن يبادره على غير العادة فمرر أبيات القصيدة على نفسه حتى وصل إلى قول الشاعر من القصيدة:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم
مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فتذكر أنه نسي أن يفي له بما وعد فتبسم وقال له قد ضاعفنا لك المبلغ فاذهب فخذه من الفضل.

قد يعجبك ايضا