نخب غير سوية
* “قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار” ما دامت هذه المقولة صالحة للاستخدام وسارية المفعول في مجتمعنا لا يمكن لهذا البلد أن يرى الخير أو ينعم بالأمن والسكينة ناهيك عن تحقيق نهضة في أي مجال إلا مجال صناعة الموت.
* “قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار” يقولها كل طرف لخصمه وكأن الجنة ملك آبائهم يمنحون مفاتيحها من أرادوا ويمنعونها عن مخالفيهم.
* هذه المقولة نعيشها اليوم حقيقة مرة ومؤلمة تتعامل بها الأطراف المتصارعة كأمر مسلم به كما لو أن أحدهم قد صعد إلى السماء وأخذ من الله ميثاقا ونزل اليوم ليحشد الناس إلى جنته عن طريق القتال في صفه.
* نعم لقد وجدنا هذا النفس المقرف عند زعماء الطوائف الدينية على مر العصور وفي مختلف الأديان وبها استطاعوا أن يذلوا الناس ويجمعوا أتباعا ويحققوا انتصارات كارثية في حق التنوع الاجتماعي الإنساني لكن الجديد اليوم يعد سابقة خطيرة وكارثية في حق المجتمع اليمني وتنذر بمستقبل أسود من قلوب القتلة هي – أكانت الشرائح المثقفة أو التي يفترض أن تكون مثقفة – شريحة النخبة – الشريحة التي ينظر إليها البسطاء على أنها مصنع الحلول لكل الأزمات الفكرية والسياسية .. هذه الشريحة أصبحت تؤمن بهذه المقولة “قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار” وتعمل بها وتتعامل مع الصراع الدائر في البلد من خلال هذا الكلام التافه مساعدة بذلك على إقناع الناس بصوابيته فيحدث أن يسقط قتيل من طرف معين في أي محافظة فتثور ثائرة ما يسمون بـ”النخبة” ويخلعون على هذه الحادثة كبير الأوصاف وعظائم الصفات جريمة بشعة كارثة في حق الإنسانية انتهاك للآدمية سقوط مدو لجميع الأخلاق والمبادئ والقيم الخيرة.
* وبالمقابل عندما يسقط مئة شخص قتلى من الطرف الآخر يسود الصمت على من ينعتون بـ”النخبة” وكأن على رؤوسهم طائرات الحزم فلا إدانة ولا استنكار ولا حتى مجرد ذكر للمجزرة من باب إسقاط الواجب بل يتجرأ الأكثر وقاحة فيهم ويسوق أعذارا ومبررات أكثر إيلاما وبشاعة من الحادثة نفسها.
* هذا الصمت والتجاهل ناتج عن إيمان راسخ في عقلية ووجدان النخب بالمقولة “قتلانا في…” لأن هكذا تصرف وردة فعل لم يكن يقوم به عبر التاريخ – إلا زعماء الطوائف الدينية الأكثر تشددا وتطرفا أما الأسوياء – في كل زمان ومكان – فيرفضون هذه الجرائم ويمقتون مرتكبيها من كانوا.
* الأسوياء فقط ينظرون إلى الفعل أولا فإن كان خيرا استحسنوه وأثنوا على فاعليه دون النظر في هوياتهم أو انتماءاتهم أو عقائدهم وإن كان الفعل شرا رفضوه وذموه ونبذوا فاعله من كان حتى لو كان صديقا أو مواليا.
* أما الآن وفي هذه الأيام بالذات ينظر الناس وخاصة “النخب” إلى الفاعل قبل الفعل فإن كان هذا الفاعل صديقا أو مواليا هللوا لفعلته حتى لو كانت شرا مستطيرا وإن كان الفاعل من الطرف الآخر شنعوا وشوهوا أفعاله حتى لو كانت تقود إلى أقصر الطرق إلى الجنة.
* هذه النخب تسقط اليوم في وحل أفعالها كما لم يحدث من قبل وليس أمامنا إلا أن نردد “يلعن أبو النخب”.