البعد التاريخي للعدوان وصلافة العسيري
أثناء متابعة الطلة البائسة لما يسمى بالناطق الرسمي لحلف الشيكان وهو يقدم ملخصا عن العدوان الظالم على اليمن تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن العدوان الغادر يتم بأسلوب ممنهج يستهدف الأرض والإنسان وكل مقدرات الوطن أثناء إعلان الرجل عن أخبار وإنجازات لا وجود لها في ذهن المتحدث أو أن الضابط العسيري نفسه ينكر حدوثها, فهو يتحدث بعنترية متصنعة يشوبها الارتباك لتبرير حرب الإبادة والدمار الشامل وبرامج استهداف الآمنين من الشيوخ والأطفال والنساء وكل ما له صلة بمقومات الحياة والبنية التحتية.
المضحك المبكي معا أن الرجل وهو يرد على استفسار أحد الصحفيين عن جرائم الإبادة ومخيم المزرق ويريم ومصنع الألبان في الحديدة أطلق الرجل ابتسامة سمجة وقال إن الحوثيين قصفوا هذه المواقع لاستدرار العطف وتهييج المشاعر.
عند سماع هذا الكلام تبادر إلى ذهني تفاصيل الموقف الشهير لمعاوية بن أبي سفيان, والمتجذرة في رفوف الذاكرة الإنسانية أثناء معركة صفين وعلى خلفية استشهاد الصحابي الجليل عمار بن ياسر – رضي الله عنه – احتج بعض الصحابة بحديث الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : “يا عمار تقتلك الفئة الباغية”, النص أحرج معاوية ووضعه في زاوية الباغي.
قال محمود العقاد – رحمة الله عليه – في نفس الموقف بما اشتمل عليه من ضلال وقلب للحقيقة لم يوظف معاوية بن أبي سفيان عبقريته ودهائه, كما حدث في تلك اللحظة لكي يدافع عن نفسه وهو يعلم علم اليقين أن أحدا من الصحابة لم يصدق كلامه, مع ذلك أخفق وكل ما حققه أنه ابتدع فكرة فقهاء السلطة وأسند إليهم مهمة الترويج للفكرة وإقناع العامة بمضمونها, نفس الفقهاء تحولوا إلى رأس حربة للضلال والكذب وتزييف الحقائق, من ذلك إقرار لعن الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – في منابر المساجد واعتبار الفعل سنة من السنن, وهو ما ضاعف السوءات والعثرات وضاعف الأحقاد والضغائن بما ترتب عليها من عداوات وحروب دارت كلها حول أحقية الخلافة وشوهت تاريخ الإسلام.
العسيري ظهر أنه لا يعلم عن الخلفية التاريخية للعدوان, لأنه يقرأ ما يكتب له بعد أن اختير بعناية لانحداره من عسير, المنطقة اليمنية المحتلة من قبل السعودية, الموقف جسد الصلافة وأراد أن يبرر الغارات الهمجية وما ترتب عليها من إزهاق للأرواح البريئة والتدمير الممنهج بذرائع واهية وأسلوب سمج دحض الحقائق الموضوعية وحاول إخفاء الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار, خطورة ما تقدم تكمن في الإصرار على الاستدعاء السافر لعثرات التاريخ وتكشف عن السر الفعلي لهوس آل سعود وحقدهم المتجذر في أعماق النفوس, وهي التي جعلتهم يهندسون هذه الحرب بدافع الثأر والانتقام.
بعد التمادي في الاستهداف والتآمر وسلسلة الاغتيالات الممنهجة التي طالت العلماء والزعماء والمفكرين والشخصيات الوطنية بدءا باغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي مرورا بمحاولة اغتيال المناضل الوطني عمر الجاوي وصولا إلى الصحفي عبدالكريم الخيواني وما أعقب الحادثة من تفجيرات إجرامية في مسجدي بدر والحشحوش استهدفت المصلين وهم في لحظة الاتصال بالخالق سبحانه وتعالى.
وكانت النتيجة مؤلمة ومؤسفة راح ضحيتها المئات من المصلين, أبرزهم العلامة الدكتور المرتضي بن زيد المحطوري, بما يوحي أن الترويج للعنف ودفع الشباب البائس لارتكاب أبشع الجرائم بات ثقافة متأصلة لدى هذا النظام وهو الذي استخدم بعض ما صدر عن فقهاء السوء من فتاوى للقيام بأعمال الضلال وتزييف الوعي واستقطاب المزيد من الشباب الحائر إلى مرابض الفناء والقتل بكل الوسائل, لأن المقولات المنحرفة تعتبر القتل بذاته جهادا مقدسا في سبيل الله وبطولات خارقة طالما أن هدفها أعداء الذين وضعتهم السعودية في فوهة المدفع وهي تتعاطى مع كل أعمال الشذوذ والتفخيخ والتفجير بأسلوب واحد ومن خلال هذه الحرب التي جحفلت لها بعض الدول العربية مقابل حفنة من المال بقدر ما يتضح البعد التاريخي للرغبة, فإننا نخلص إلى حقيقة هامة أن دلالة مفردة الإرهاب واحدة وتأثيرات فعلها السلبي واحدة, سواء جاءت من السماء عبر أحدث الطائرات أو من خلال أعمال التفجير والتفخيخ والغدر في غاية البشاعة والإجرام تستهدف كل ما يدب على الأرض وكل كبد حراء الكل أهداف مفترضة وكيانات مستهدفة بالفناء, وهي مجرد إشارات واضحة عن الأحقاد والضغائن التي حتمت استدعاء سلسلة الخلافات والمعارك الموجودة في بطون الكتب بما اشتملت عليه من تجهيل وتلق سلبي لمكونات الموروث الثقافي, وصولا إلى إقرار اختزال المنهج وأحكامه السامية في الأسرة الحاكمة, وإن كان أفرادها فاقدي الأهلية يتلذذون باستعباد غيرهم من البشر, ومع أن لي عودة إلى الموضوع أختمه بقول الشاعر :
ضغائن في سود الكلاب تجذرت
أمية أحيتها فزادت تجذرا
فالعقلية هي نفس العقلية المسكونة برغبات الثأر والتباهي بأمجاد القبيلة.