لو كنت يمنيا

خليل حرب*

لو كنت يمنيا كنت سأسأل مليون سؤال بعدد هذا الرصاص والقنابل التي تنهمر على رؤوس أهلنا. كنت سأدور في هذه الأرض أبحث عن إجابات عما يواسيني في موتي واحتضار أولادي أو عروبتي التي أنجبتها من رحم هذه الجبال ووأدوها في الصحراء.
لو كنت يمنيا كنت سأحاول أن أحصي عدد الخيانات والانقلابات التي مزقتنا من صنعاء إلى حضرموت وعدن. عن الرؤساء المخدوعين والمقتولين والمنبوذين والمنفيين. كنت سأسرد لكم كم مرة خرجنا بحناجرنا نهتف من أجل قضاياكم ولم تخرجوا مرة واحدة من أجلنا سوى من أجل التهليل لموتنا.
كم مرة يا ابن عمي كنا نهديكم وردة أو صرخة من أجل فلسطيننا ولبناننا وعراقنا ومصرنا وجزائرنا فتهدوننا جنازات لأولادنا وعلمائنا وشعرائنا وأحلامنا¿ كم مرة¿
كم مرة قاتلنا معكم وقتلنا برصاصكم¿ كم مرة بكينا صرخنا وهتفنا لكم إننا يمنيون ومؤمنون ونحن معكم «مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». كم مرة كنا يمنيين وكنتم تردون لنا حبنا هذا شوكا وصلبانا ودروب جلجلة¿
كم مرة ذهبنا إليكم إلى خنادقكم وقضاياكم وآمالكم ومتنا معكم ومن أجل أوطانكم وأطفالكم وروابيكم وقدسكم فنبذتم أولادنا من مدارسكم وعمالنا من مصانعكم ومزارعكم¿ أو أرسلتم لنا انقلابا أو تمردا أو ….. مذبحة¿
لو كنت يمنيا لسألتكم كم مرة احتضناكم حتى ضفاف الروح ثم جئتم الينا سياحا تكتفون باقتناء تماثيل لمنازلنا الأثرية المزركشة وخناجرنا والانتشاء بـ «القات» وسيلتنا الدفينة من أجل النسيان قليلا من أجل سلواكم.
منذ متى ونحن نتقلب بين وجع ووجع. لم يكن سد مأرب نكبتنا الأولى ولا بلقيس ملكتنا الوحيدة ولا الأبجدية هديتنا الأولى للإنسانية. نزفنا نحن ما بين ملكية وإمامية وقبلية واشتراكية وجمهورية…. وأهديتمونا موتا وإرهابا وأفكارا ملوثة.
ألم يحن زماننا بعد يا ابن عمي¿ ألا يجوز لنا أن نكون ما نريد أن نكون¿ أن نجرب «سيادتنا» التي تاه كثيرها في صحراء الشمال¿ ألم يحن موسمنا لننجو من غدر خناجركم¿
فيا أهلنا .. يا عروبتنا .. يا إرثنا ويا بأسنا. لم يحن موتنا بعد… غدا سنصعد إلى الجبال. إلى قمة النبي شعيب. من هنا عند أعلى ما يكون وأرقى ما يكون في هذه الجزيرة العربية. سأكون يمنيا كما أنا منذ قرون سيدا مقاتلا حرا وأصرخ وأنا حي ملء حنجرتي وأنا أرى مشهدكم الممتد خلف هذه العاصفة: «تبا لكم».
* جريدة السفير

قد يعجبك ايضا