السقوط الأخلاقي للعدوان
بدأ العدوان السعودي على اليمن ينحرف عن أهدافه المعلنة ليبدأ مسارات ذات أبعاد إنسانية فالفشل في تحقيق الأهداف والشعور الطاغي بالانكسار أمام حالة الصمود الأسطورية للشعب اليمني والتي لم تكن في الحسبان إذ كان المتوقع كما توهم ذلك المرجفون أن تنتفض صنعاء ويحدث الهرج والمرج في الوسط الاجتماعي وتتداعى الجبهات الداخلية أنهيارا وتأييدا للجهات المعادية وكان حزب الإصلاح يظن في نفسه القدرة على القيام بهذا الدور وفي ظني أنه وقع في الوهم لأنه لا يتعامل مع حقائق الواقع وفق معطياتها الحقيقية بل وفق صورتها الذهنية التي تعود إلى حالة تاريخية خاصة ومرحلية ولذلك كان بيانه المؤيد للعدوان بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقها على نفسه ليعيش بعدها خمسين عاما قد تزيد أو تنقص من النكوص ومن الانكسار في مستقبله.
ولم يكن الإصلاح من يتوهم أو يظن في موضوع إثر العدوان ونتائجه بل وقع في ذلك الوهم العملاء ومن شايعهم ولم يسع ملوك الترف وأمراؤه إلا التصديق وخوض المعركة التي ظنوها لا تتجاوز الأيام الأولى للصدمة ومن ثم فرض الهيمنة بالأدوات التقليدية وها هو الزمن يمتد إلى أكثر من أسبوعين قياسا إلى تاريخ كتابة هذا المقال دون أن يتمكن العدوان من صد التمدد الحوثي في الجغرافيا الوطنية اليمنية بل كاد أن يصل إلى مربعات ما كان ليصل إليها لولا القصف المكثف لطيران العدو السعودي ومن دلائل الوهم عند العملاء وأربابهم أن العميل المزدوج هادي قال في أحد خطاباته أنه سيرفع علم اليمن على جبال مران في حين أنه كان في عدن وعلم اليمن يداس في شوارعها وعلى قصر الرئاسة بالمعاشيق يرفرف علم الانفصال ومن المفارقات العجيبة أن يرفع (مران) علم الوحدة على قصر المعاشيق ويفر العميل هادي إلى الرياض ذميما مدحورا مثل تلك الإشارات والدلائل كان وقعها أكثر تأثيرا على الجماهير الوطنية اليمنية من حيث الشعور بالعزة والكرامة وعلى القوى العميلة من حيث الشعور بالنكوص والانكسار وهنا تكمن المفارقات فالعدوان بكل تحالفاته وثرواته وقواته أصبح يشعر بالعجز التام واليمن بكل فقرة بالامكانات المادية يشعر بالقدرة والتمكين ويملك روحا معنوية قادرة على دك حصون الطغاة الباغين على أرضه وإنسانه ومقدراته وهو يشعر أنه في الموقف الحق وينتظر وعد الله له بقين المنتصر رغم بشاعة وفضاعة ما يحدث وما يرى وما يجد من عدو يدعي الإسلام ويدعي الحفاظ على بيضته وهو يتضاد في سلوكه وتفاعله وتعاطيه وفي أخلاقه معه نصا وروحا وقيمة ومعنى بل كادت أخلاق الجاهلية الأولى أن تكون هي البعد المهيمن على اللغة والسلوك في جوانبها المتوحشة التي جاء الإسلام ليهذبها وليس في جوانبها البطولية والفروسية بل وليس في مروءتها ونخوتها العالية التي كان العربي يفاخر بها القبائل كما نجد ذلك في الأثر النثري والشعري وكما ترويه كتب التاريخ والأخبار والمناقب.
لقد استدعى العدوان السعودي الذاكرة لتقوم بمقارنة بينه وبين إسرائيل وقد وجدنا ذلك في خطابات الساسة وقد وجدناه في الخطاب الإعلامي وبشكل مكثف ومثل ذلك يحمل رموزا وإشارات ذات عمق نفسي وثقافي دالة على التوحش وانتقاء صفة العمران عند الصحراوي البدوي الذي لا يحمل مشروعا ولا يحمل بعدا أخلاقيا أو عقائديا يحمي العمران البشري والحضاري من توحشه وتدميره وأمام مثل ذلك البعد الثقافي والسياسي سنكون في قابل الأيام أمام تيارين اثنين في الشرق الأوسط فالعدوان سيترك تمايزا بين التيارين والتمايز يجعل التمكين لهما واضحا الخطاب الإعلامي والثقافي والسياسي والتياران هما التيار الرجعي بقيادة السعودية ومن تبعها وقد اتضحت صورة هذا التيار من خلال أدواته وهي القاعدة وداعش فالتفاعل مع القيم الحضارية والأبعاد الإنسانية كان أكثر بروزا في السنين الخوالي وحتى زمن كتابة هذا المقال وصورته لا تتجاوز المجازر والعبوات الناسفة والعداء الشديد لكل ما هو عصري والعجز الكامل عن النفع العام للإنسانية والتيار الآخر هو التيار المقاوم والنهضوي وله نماذج متعددة في الوطن العربي أبرزها نموذج حزب الله في لبنان وحركة أنصار الله في اليمن وصورة هذا التيار القوة والكرامة والعيش المشترك والنفع العام والتفاعل مع العصر ومع مظاهره الحضارية والمادية وتفجير إمكانات الذات وتوظفي طاقاتها والندية في العلاقات مع الآخر وتلك الصفات واضحة جلية يمكن قياسها من خلال التفاعل والتعاطي مع الأحداث برؤية منصفة ومنطقية ومحايدة لمن أراد أن يكون مصنفا أما أصحاب الأحكام المسبقة فإنهم لا يرون إلا ظلهم تحت اقدامهم ولن يتجاوزوه.
ولقد رأينا التيار الرجعي كيف رسم صورته الذهنية في اليمن من خلال عدوانه هو ومن تحالف معه ونرى كيف رسمها في سوريا وفي ليبيا وفي المقابل نجد تيار المقاومة كيف يرسم صورته الذهنية في اليمن وفي العراق وفي سوريا وفي ليبيا لقد اضحت الصورة واضحة ولعل العدوان السعودي على اليمن جعلها أكثر وضوحا فقد أفصح عن أدوات التوحش ذاتها التي ظهرت في س