تصفية الكلمة .. عنوان المرحلة ¿!

عرفته في أواسط التسعينات من القرن الماضي, عملنا معا في صحيفة الأمة حينها, كان انطباعي عنه حينها بأنه متهور ومندفع, ولكن الأيام والتجارب دلتني إلى التوصيف الحقيقي لما كان عليه, فكانت الجرأة مكان الاندفاع والشجاعة مكان التهور, أردت معرفة ما يغذي هاذين الوصفين فوصلت إلى نتيجة مفادها أن المعرفة للحقيقة هي البداية وأن التخلص من الخوف هو المفتاح للمعرفة والحقيقة.
أخفقوا في ترويعه وإسكاته حين فشلوا في اغتيال أبنته (آلاء) فعمدوا إلى تصفيته لأن أفقهم الضيق و”قفاصه” قلوبهم الحانقة على من يحاول أو يصدح بما هم عليه لم تتحمل أن تسمع صوته أو تقرأ حرفه أو تشاهده يغدو ويروح وهو يحمل مشروعا يختلف مع مشروعهم.
ولمن لا يعرف  (عبدالكريم الخيواني) فإنه الإنسان والثائر والصحفي الشجاع وهو الحقوقي والسياسي الذي يرفض التنازل للنفعيين والعملاء من عبدة القصور وكهنة التبعية والارتهان لمن لا يريد لأهله ووطنه الخير هو الكاتب والأديب وهو ممثل حملة الأقلام كسفير للنوايا الحسنة باختيار من الأمم المتحدة.
دون ريب فإن القلوب حزينة والهواجس التي خلفها مقتله كثيرة, لا ريب أن الوسط الإعلامي قد فقد أحد رموز الشجاعة والإقدام ويشعر بحزن شديد عليه, ولكنهم لن يستسلموا أو يطأطئوا رؤوسهم ولن يكسروا أقلامهم, لأنهم يدركون أن كلفة الخضوع والخوف والاستسلام ستكون كلفته كبيرة جدا على حاضرهم ومستقبلهم كإعلاميين وأن فداحة تواريهم ستصيب وطنهم في مقتل وستجعله خاضعا ذليلا لمن سلعتهم الموت وقوتهم الضلال.
ليست المشكلة في اغتيال هنا وتفجير هناك استهدف فلان أو علان, المشكلة الأهم هي فيما يراد من وراء هذا القتل وانتقاء المقتول كشخص واختيار زمن القتل¿
اغتيال الخيواني في هذا التوقيت لا يمكن أن يقال عنه أنه عملية تصفية تخص الخيواني لشخصه ونشاطه وارتباطه بهذه الجماعة أو هذا الطرف, أو لأنه حاد في طرحه وشديد في التمسك بقناعاته.. أبدا فمقتله لا يمكن فصله عن ما يدور في (الموفمبيك) وما تشهده الساحة السياسية من تجاذبات شديدة.
نعم هم يرون فيه وفي أمثاله ممن لا يخافون جهالتهم خطرا عليهم ولكنهم أيضا يضعون حسابات أخرى بجانب ذلك لأثر مقتل من يختارونه, فما الذي أراده القتلة من تصفية الخيواني في هذا التوقيت الذي شارف فيه المتحاورون في الموفمبيك على الانتهاء من التفاهمات والتوقيع على المخارج والحلول¿
هذه التساؤلات كانت حاضرة إبان مقتل الشهيد الدكتور شرف الدين الذي صفي بصورة بشعة وهو متجه إلى مقر مؤتمر الحوار ليكمل مهمته الوطنية التي كانت قد شارفت على نهايتها, لذا فإننا نقول للظلمة ولمن يخافون من الحقيقة فإنكم لم تخرسوه ولن تسكتوا الحقيقة بفعالكم الدنيئة والغادرة التي جبن صاحبها القبيح أن ينظر في عيني هذا الشهيد فأطلق عليه الرصاص من الخلف ولاذ بالفرار.
كانت الاغتيالات والدراجات قد اختفت في الفترة الأخيرة بعد أن نالت من خيرة الكوادر السياسية والأكاديمية والقانونية والفنية والعسكرية الوطنية التي كانت ترعبهم, وهاهم اليوم يرون الخطر المحدق بهم في حملة الأقلام ورواد الكلمة ومشاعل التنوير, إنها مرحلة الكلمة والرسالة الإعلامية التي ستحدد حجم وبقاء ونهاية كل من يتدثر بمظالم الشعب ومستقبله ومن يعتمر قبعة الوطنية مزقها الكثيرون شر ممزق.
إنها معركة القلم الذي سيعري من يتلاعب ويفتت اللحمة اليمنية, معركة البقاء للأنفع لأهله ووطنه والنهاية والخزي والعار لمن تاجر وباع واشترى بأبناء بلده, لذا فهي معركة إعلامية (الخيواني) هو العنوان الأول وسيستهدفون غيره بالدفع أو بالتصفية لأن حقيقتهم وتاريخهم على المحك.
صحيح أننا فقدنا أحد مشاعل الحرية والكلمة القوية التي زلزلت عروش من عاشوا وسادوا معتدين بالكذب والخداع, وما مقتلك في هذا اليوم 18 مارس اليوم الأشهر في تاريخ اليمن المعاصر إلا تعبيرا جليا عن مسمى ما أراده قاتلوك, ففي مثل هذا اليوم منذ أربع سنوات اغتيل 52 شابا جسورا رفعوا أصواتهم وقالوا لن يظل زيفكم مسيطرا علينا, في جريمة نفذت في وضح النهار وفي يوم جمعة وعقب انتهائهم منها مباشرة.
نفذت الجريمة وسقط من سقط وأصيب من أصيب وتبودلت الاتهامات وهرب المجرمون وأتلفت الأدوات أو نهبت واختفت عبر تعاون وتنسيق وتبادل للأدوار لم يسبق له مثيل في تاريخ البشر.
إنها إرادة الله التي لا راد لها نعم ولكنها جريمتهم التي ابتلاهم بها كي يذكرونا بتلك الجمعة وكي يكون استشهادك مجددا وحافزا للمطالبة الحثيثة بكشف أسرارها ومن كان وراؤها.
في هذه اللحظات العصيبة لا يسعنا إلا أن نعزي أهلك ومحبيك ونعزي أنفسنا ونطلب من الله العون والهداية في مواصلة مشوارك الذي دفعت حياتك ثمنا له, لأن هذه المرحلة التي تستهدف فيها العقول لا تعني إلا أن مرتكبي الجرائم يريدون إخراس الكلمة الشجاعة, كي يجر البلد من منابر التفاهم والالتقاء إلى ساحات التطرف والبنادق والمفخخات.

قد يعجبك ايضا