هادي .. ” جورباتشوف ” في صنعاء و ” يلتسن ” في عدن
سيناريو تفكيك الإتحاد السوفيتي يجري تنفيذه في اليمن
” .. لم يكن ذلك إنقلابا لقد كانت محاولة سيئة التنظيم من قبل البعض للمحافظة على البلاد مع رئيسها . ” أناتولي لوكيانوف الرئيس السابق للمجلس السوفيتي الأعلى في شهادته على إنقلاب اغسطس 1991 ضد جورباتشوف .
الأحداث التي تمر بها اليمن خلال هذه الفترة تتشابه إلى حد كبير مع الأحداث التي شهدها الإتحاد السوفيتي والتي مهدت لإنهياره عقب فشل جورباتشوف في تنفيذ الإصلاحات التي عرفت بـ “البروسترويكا ” .
عام 1985 تبنى جورباتشوف البروسترويكا كاستراتيجية سياسية واقتصادية شاملة لترميم التصدعات التي برزت في الهيكل الضخم للإتحاد السوفيتي والحيلولة دون انهياره .
بروسترويكا جورباتشوف يقابلها في اليمن ” مخرجات الحوارالوطني ” التي شملت حلولا ومقترحات سياسية واقتصادية ووضعت مبادئ دستورية حددت فيها شكل ونظام الدولة اليمنية الجديدة كدولة إتحادية لا مركزية من ستة أقاليم تتمتع بصلاحيات واسعة تصل حد ” تقرير المصير ” الذي كفلته المادة الثالثة من مسودة الدستور الجديد .
تقسيم اليمن إلى أقاليم كحل لمواجهة دعوات إنفصال الجنوب والحد من الفساد السياسي والإقتصادي للنظام المركزي يشبه ” معاهدة إتحاد الدول المستقلة ” التي أقترحها جورباتشوف كصيغة جديدة للإتحاد بين روسيا والدول الـ 15المؤلفة للإتحاد السوفيتي ـ بعد انسلاخ دول البلطيق الثلاث عنه ـ .
قبل يوم واحد من توقيع المعاهدة شهدت موسكو اضطرابات وأعمال عنف بعد إعتراض ما عرف آنذاك بـ ” لجنة الدولة لحالة الطوارئ ” على المعاهدة .
وقد تشكلت تلك اللجنة من عدد من القيادات السياسية والعسكرية السوفيتية البارزة بينهم نائب رئيس الإتحاد السوفيتي ورئيس الوزراء ووزيري الدفاع والداخلية والكي جي بي .
وضع جورباتشوف تحت الإقامة الجبرية في استراحته بشبه جزيرة القرم وظهرت الدبابات في شوارع موسكو.
في صنعاء جرت أحداث مماثلة عندما اعترضت ” اللجان الشعبية ” سيارة مدير مكتب رئيس الجمهورية أحمد عوض بن مبارك لإعاقة تمرير ” مسودة الدستور ” الذي كان بن مبارك في طريقه لتسليمها إلى اللجنة الوطنية لمراقبة تنفيذ مخرجات الحوار . وهي الحادثة التي تلاها إقتحام اللجان الشعبية لمقر الرئاسة واحتجاز الرئيس هادي في منزله بالعاصمة صنعاء .
حتى الآن يرفض ” أنصار الله ” إطلاق صفة الإنقلاب على تلك الأحداث تماما كما هو الحال في موقف أعضاء ” لجنة الدولة للطوارئ ” من أحداث أغسطس 1991 في موسكوضد جورباتشوف ويلتسن .
نائب الرئيس السوفيتي آنذاك ” غينادي يانايف ” الذي كان واحدا من أعضاء اللجنة الثمانية قال بعد أن فشل الإنقلاب واعتقالهم :
” لم أعترف أبدأ بأنني قمت بانقلاب ولن أعترف بذلك أبدا . كان يدور في البلاد صراعا مكشوفا على السلطة بين أنصارالحفاظ على وحدة البلاد وخصومها ولم نعتقل أي مسؤول في تلك الفترة بما فيهم عمدة موسكو الذي كان يبلغ السفير الأميركي معلومات سرية من خمس إلى ست مرات في اليوم ” .
وفي شهادته على تلك الأحداث يقول ” أناتولي لوكيانوف ” رئيس المجلس السوفيتي الأعلى : ” إذا كانت تلك مؤامرة فأين رأيتم متآمرين يتوجهون إلى الشخص الذي يتآمرون عليه ” ـ في إشارة إلى زيارة وفد من اللجنة لجورباتشوف في مقرإقامته بالقرم ـ .
ويواصل لوكيانوف : ” وإذا كان ذلك تمردا فإنه يعني تقويض نظام الدولة كله علما بأن كل شيء ظل على ماهو عليه .. قد تسمونه إنقلابا ! ولكن أين رأيتم إنقلابا دفاعا عن النظام القائم ¿.”
ويصل لوكيانوف في شهادته إلى التالي : ” لقد كانت تلك محاولة سيئة التنظيم من قبل البعض للمحافظة على الدولة ورئيسها. ” .
على الصعيد الإقتصادي كانت موسكو تعيش خلال تلك الفترة أزمة خانقة في توفير السلع الإستهلاكية والغذائية وكان المئات يقفون في طوابير طويلة للحصول على السلع الغذائية الأساسية وكان تداول الأخبار يجري على نطاق واسع حول عجز في الموازنة المالية وعدم قدرة الدولة على دفع مرتبات أفراد الجيش .
وزير الدفاع السوفيتي السابق الماريشال ديمتري يازوف وقد كان أحد اعضاء ” لجنة الطوارئ ” أكد في مقابلة مع قناة ” روسيا اليوم ” في يوليو2014 أن الأزمة التموينية التي كانت تعانيها موسكو آنذاك كانت مفتعلة حيث كانت القطارات التي تحمل المواد الغذائية تحتجزخارج موسكو وتمنع من دخول المدينة ـ بحسب ما عرف لاحقا من مسؤولي السكك الحديد كما قال ـ .
يبدو واضحا أننا في اليمن نعيش نفس السيناريو حتى في اختلاق الأزمات التموينية والإقتصادية فاحتجاز القطارات خارج موسكو يقابلها احتجاز قاطرات الوقود خارج صنعاء وبالمثل يجري التلويح بانهيار إقتصادي وشيك واحتمال عدم قدرة الدولة على دفع المرتبات وهي بالتأكيد وسائل ضغط على الشعب للإستسلام وتهيئته للقبول بأية حلول مهما كانت آثارها.
خلال عام 1991