إرهاب إلى متى¿
تعددت خلال الأعوام الأخيرة الجرائم الإرهابية التي طالت عددا كبيرا من المرافق الحيوية وأبراج الكهرباء وأنابيب النفط والمواقع العسكرية والأمنية وأودت بحياة عدد أكبر من الضباط والجنود والقيادات الحزبية والشخصيات الاجتماعية وكوادر الدولة والمواطنين في مختلف المحافظات وسط غضب شعبي عارم قابله صمت مريب من النخب السياسية والحزبية الحاكمة خلال الفترة الماضية تحت مظلة المبادرة الخليجية والوصاية الأجنبية وعجز غير مسبوق من الحكومة الانتقالية الفاشلة وقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية والمحلية خلال حقبة الرئيس الهارب عبدربه منصور !!
يخطئ من يعتقد أن بلادنا وحدها هي التي تخوض حربا مع الإرهاب الذي يمثله دواعش تنظيم (القاعدة) و(أنصار الشريعة) في اليمن لأن المشهد السياسي والأمني والإعلامي الراهن في العالم العربي والإسلامي يشير إلى حروب ضارية ومتواصلة تخوضها الشعوب العربية في اليمن ومصر وسوريا وتونس والجزائر والعراق ولبنان وموريتانيا ونيجيريا والنيجر وباكستان ضد الإرهاب الذي تمارسه جماعات ضالة ومدعومة من أجهزة استخبارية عربية وأجنبية تتقاطع مصالحها مع سعي الجماعات الإرهابية لفرض أفكارها ومعتقداتها السياسية بالعنف والسلاح عبر تفجير المباني والمنشآت الثقافية والاعتداء على منتسبي الأجهزة الأمنية وفرض أنماط سلفية متشددة ومنغلقة من السلوك على المجتمع انطلاقا من ثقافة تكفيرية ضالة يعتقد ضحاياها بصواب ما يتلقونه من تفسير أحادي للشريعة الإسلامية على أيدي بعض شيوخ التطرف والتكفير الذين يوهمون أتباعهم الضالين بأن تلك الأفكار والمعتقدات تحظى بإجماع (جمهور علماء المسلمين) الأمر الذي يستوجب استخدام القوة لمواجهة الطائفة الخارجة عن الطاعة والمفارقة للجماعة والممتنعة عن تطبيق الشريعة في الدولة والمجتمع كشرط لتغيير المنكر وحراسة الدين بحسب تفكيرهم الضال.
المثقف الشمولي هو نتاج طبيعي للثقافة الشمولية التي تحصر نفسها ووظيفتها في نسق الأفكار لا في الوقائع ثم تقفز فوق الواقع وتهمل تفاصيله وأحداثه.. بمعنى ان المثقف الشمولي هو الذي يستخدم الايديولوجيا للقيام بوظيفة حراسة الأفكار.. والمعروف ان حراس الأفكار يفشلون على الدوام في سد جميع الثغرات التي تتسلل منها رياح التغيير التي تصيبهم بالذعر.
عندما يتمترس المثقف وراء أفكاره ويدعو إلى تطبيق نموذجه يتحول بالضرورة إلى داعية يشرح افكارا جاهزة ولا يفكر لكي ينتج أفكارا جديدة.. ولذلك فإن الدعاة يخسرون دائما المستقبل لأنهم يشتغلون على القولبة والنمذجة في واقع تتغير أنساقه ووجهات تطوره باستمرار ويحتاج تبعا لذلك إلى إعادة اكتشاف مفاعيله على نحو مستمر أيضا.. والذين يعيدون باستمرار قراءة الواقع يستطيعون تغيير وتطوير أفكارهم والمشاركة الفاعلة والمتجددة في عمليات التغيير التي تحدث في عالم الحقيقة الواقعي.. وبقدر ما تتغير طريقة التعاطي مع الأفكار يتغير مفهوم المثقف للحقيقة التي تظل على الدوام نسبية ومتغيرة ويصبح أكثر قدرة على المساهمة في إعادة صياغة الواقع و تغييره من جديد.
لاريب في ان التطرف يحتاج الى مواجهة بوسائل مختلفة.. وعندما يكون التطرف اشتغالا في مجال الأفكار لابد من مواجهته بوسائل النقد والحوار النقدي.. اما عندما يتحول إلى إرهاب دموي فلا يكون أمامنا من طريق آخر للتعامل معه سوى طريق إخضاع الجريمة الإرهابية ومرتكبيها الذين أفرزتهم ثقافة التطرف للقوة المشروعة.. أي قوة الدستور والقانون. .
اننا لم نتعرض في اليمن لإرهاب مدمر فحسب.. بل لقمع متجسد في أفكار متعصبة تغذي منابع الإرهاب وتصنعه.. وحين تتحول هذه الأفكار المتعصبة إلى جرائم إرهابية يرتكبها بعض الجهلة من ضحايا التعبئة الخاطئة التي يمارسها حراس هذه الأفكار ينهض القانون بوسائل سلطة الدولة لمواجهة الجريمة الإرهابية المنظمة ومرتكبيها.. لكن ينبوع الجريمة لا يتوقف عن إعداد المزيد من المجرمين المزودين بأحزمة ناسفة والتمهيد لجرائم إرهابية جديدة.
والحال ان سلطة الدولة لا تكون فاعلة خارج هذا السياق.. فهي لا تنفع لمواجهة سلطة الثقافة القائمة على التعصب والتطرف والإقصاء الأمر الذي يستوجب نقد هذه الثقافة وتفكيكها وهي عملية لا بد ان تتم بالأدوات الفكرية على أساس من الصراحة والعلنية والوضوح وعدم المداهنة.
تهدف هذه العملية الى تفكيك العلاقة بين التعصب والقمع.. وفي تقديري أن العلاقة بينهما لا تختلف عن العلاقة بين السبب والنتيجة فالتعصب يولد القمع والقمع يبقى مغلقا في مدار التعصب.. وأخطر ما في هذه العلاقة هو قيامها على نهج اتباعي نقلي لثقافة تلح وتصر على ضرورة الإجماع وترفض الاختلاف ولا تعترف بالتنوع والتعدد والمغايرة وتقرن الدخول الى الفرقة الناجية بالخضوع المطلق لما يؤمن به أمير أو شيخ الجماعة.
يذكرنا إصرار بعض النخب السياسية على البحث عن ذرائع لتبرير الجرائم الإر