(( مش أي شىء )) !!
عبدالرحمن بجاش
وحده ذاك الشاب الساكن لوحة مؤسسة السرطان يبدو متفائلا بمستقبل هذه البلاد , أوحت لي ابتسامته بذلك , وأنا أعبر تحتها متجها إلى شارع حدة لأرى حال الشارع !!! (( ابدأ عامك بخير )) مضمون العبارة بالخط العريض وهي تدعو انسانيا الناس إلى مساندة مرضى السرطان , مضمونها الإنساني يسúكن الأمل في النفس برغم برودة الجو في العاصمة وقسوة الانتظار للآتي الذي يأتي عادة فيغادر سريعا !! , قلت أحدث نفسي : سأخرج إلى الشارع لأرى الحال في وجوه الناس , أول من صادفت صوت صاحبي صاحب البطاط والطماط مرة أخرى بعد أن كان في الشارع يعرض بضاعته صباح الاثنين 19 يناير غير آبه بكل أصوات القذائف !! يومها سألته : كيف ¿ الوحيد من بين السياسيين من قال جملة مفيدة (( نطلب الله )) , السياسييين من أخربوا البلاد يقولون عادة في مثل هذه الظروف (( مدري )) ((يا سعم)) أنهم داريين ما يقولوا , وفي الأخير هم آخر من يعلم بما يحدث , وحده صاحبي من يعرف ما يعمل وسيضحك أخيرا أكثر منهم جميعا , هي سنة الحياة في هذه البلاد التي فهمها إثنان لا ثالث لهما , الأول ذهب والثاني يهيئ نفسه للضحكة الأخيرة على خيبة أصحابه !!!, في الشارع الثاني كان علي المرور من أمام الأرضية الخلاء التي كتب على جدارها (( قسم الشرطة )) !! , توقفت قليلا ليقفز الجندي مسكينا مثل عمال المطاعم الأربعة في شارع أكتوبر : (( أي خدمة )) ¿ , ضحكت : (( ما معيش أي مشكلة )) , ضحك : سهل المهم ((بو)) حق القات !! ارتسمت لحظتها كل طيبة الدنيا وقهرها على وجهه , في الجولة بحثت عن صاحبي قناف : أين أنت ¿ ضاحكا : ((قدني)) قائد كبير على الجولة , ضحكت أنا : كيفة يا قناف ¿ أجاب ضاحكا : والله إنها ((مجغوصة)) !! , بجانب الأطقم ثمة أطفال يحملون السلاح ببراءة تنبئ بجوع البطون ليس إلا !! , وعلى البعد ثمة أحجار تعيق الحركة لتتجه السيارات إلى منفذ وحيد لا ثاني له !! , عند النقطة ثمة ثلاثة جنود غير آبهين بمن يمر يحدثون بعضهم والتليفونات بأيديهم عن رقم لا يجيب , كان الوقت يشير إلى الثانية عشرة ظهرا !! , وبقربهم جياع آخرون يتكئون إلى اللوحة التي تحارب أمريكا وزبائنها !!, عند شارع 14 أكتوبر أعادني شاب يلبس ملابس مموهة (( ممنوع )) , أذهب من الشارع المعاكس في الجانب الآخر ثمة بيت حوله كتل خرسانية مهمة !! , لاحظت أن أطفالا صغارا جدا يقودون سيارات , إذ الشارع بدون حسيب ولا رقيب , لكنه هادئ حد الموات !! , يخيل اليك أنك تشاهد مسلسل غوار الطوشة (( حارة كل من إيده إله )) !! , هناك باعة القات والقات هو الذي يجد لنفسه دائما طريق للنفاذ إلى العاصمة حتى وإن حوصرت من كل جهاتها الأربع , وزبائنه هم الوحيدون الحريصون على الشراء !!! , القات منفس هموم اليمنيين برغم البودر وهو الصادق الوحيد معهم أكثر من السياسيين والخطباء , ربما يحرص الحاكمون دائما أن يخصصوا ممرات آمنه لوصوله لحكمة معروفة !!! , عند الجولة يختلط الجميع بالجميع, متسولين , رجال مرور , وباعة الليم الحامض , وثمة سيارة شرطة محايدة في الزاوية على متنها جندي نائم !! , وعند المكتبة , كل من تجده يرمي بكلمة , بجملة, ويذهب ,أحدهم قال : ((لا فلتت ولا بقيت)) , الآخر قال : كله منه !! , الثالث : كيف ¿ الرابع : هو عيرجع , الخامس متبرما : والله مالي علم , السادس أبتسم ولم يسأل ولم يجب !!! , وأنا أوزع كلمات ملتبسة على كل منهم !! لا أدري لها معنى . خيل إلي وأنا عائد إلى البيت أن ((ميشيل)) البطل الرئيسي لرواية علي المقري (( بخور عدني )) لخص حكايتنا بإجابة واحدة عندما سألته موظفة الفندق : اسمك ¿ قالها بدون رغبة في الإجابة (( مش أي شىء )) ……