لغه فردية تتمظهر بالمفارقة
*أحمد علي جابر

الخطاب القصصي للمثقفة اليمنية يتميز بأنه خطاب ثقافي له رؤيته الخاصة بالواقع والحياة يختلف عنخطاب المثقف الرجل الذي تشتت اهتماماته في مناحمختلفة,ومرد ذلك إلى أن القاصة اليمنية حصرت اهتماماتها في محيطها المؤنث واستطاعت أن تلتقط إشارات مهمة لا نكاد نعثر عليها عند مقابلها الرجل ومن هذا المنطلق نجد أن القاصة جليلة الأضرعي تمثل هذا النوع من الأصوات النسوية السرديةالتي تطرح موضوعة الأنثى بشكل درامي ساخر وبلغة سردية تتمظهر بالمفارقة, تدين الواقع الاجتماعي وتحاكمه فيخطاب مشاكس ومناور, لا يفصح ولا يعبر عن قضيته بشكل باهت أو سطحي بل يمكن الاعتداد بكونهحالة إبداعية ناقدة وصورة من التعبير الرامز الذي يستكنه مضمرات العنف الذكوريالمتجسدمنخلال مشاهد قصصية وأحداث حاولت القاصة عبرها أن تعري ثقافة المجتمع الذكوريةلامتهانهاالمرأة وتهميشها, مشكلة عبر قصتها شوارب إحالات مقنعةواخزة للضمير الجمعي الذي ظل يمارس العنف ضد المرأةبطريقة منهجية موروثة ….
مما لاشك فيه أن لكل عمل أدبي قارئ ضمني له أن يقف عند مستويات عديدة من التحليل في بنيةالخطاب الأدبي بعيدا عن التسطيح القرائي الذي تمنحه انطباعية الناقد وذوقه الفطري حينيلج إلى النص مستعينا بذائقته البسيطة دون الركون إلى آليات منهجية لاستبطان النص والكشف عن دلالاته الغائرة هكذا بدا لي الأمر وأنا أقرأ مجموعة شوارب للكاتبة جليلة الأضرعي حيث النص يستوقفنا من أكثر من زاوية نقدية وهو نص شائك يناور يتعصى على القراءة أحيانا والمجموعة و رغم بكارة التجربة وحداثة عهد كاتبتها بالتجربة السردية نجدها تحلق في آفاق باذخةالإبداع و بلغة تتوارى خلف غلالة من الدلالات والرموز ناهيك عن أسلوب سردي يستوفي عناصر إبداعه وبناه السردية من حيث الشخصية وإجادة رسمها وآليات الحدث وتعيينات الزمان والمكان والأهم بنظري براعة الكاتبة في صياغة لغتها السردية التي تنم عن خيال خصب تتنقل فيه اللغة بين مستويات فنية وأطوار جمالية في مغامرة قصصيةتبعث في نفس القارئ الدهشة والإعجاب .
ومن أهم تجليات المجموعة القصصية صور المفارقة وسخرية التعبير بأسلوب يجنح لتشكيلخطاب ساخر ناقد له أن يعالج كثير من قضايا الإنسان والمرأة منها على وجه الخصوصوبطريقة درامية تفننتالكاتبة في توظيفها والتعبير عنها .
والمفارقة حسب الدكتورة نبيلة إبراهيم سالم عبارة عن ازدواجية المعنىبخطاب يحيل إلى مستويين للكلام الأول سطحي قريب والثاني كامن لا يناسب أن يؤخذ معناه على ظاهره في ضوء الفهم لمعنى السياق الذي قيل فيه وإدراك التعارض والتنافر على المستوى الشكلي للنص(1)
ويرى نورثروب(( أن المفارقة في الأدب هي وسيلة لقول أقل ما يمكن وتحميل ذلك القول أكبر ما يمكن من المعنى فالمفارقة كما يرى نظام من الكلمات يتجنب القول الصريح وينكر المعنى الواضح)).(2)
وعنوان المجموعة (شوارب) بوصفة العتبة الأولى للقراءة يمارس سلطتهويفرض مفارقته الدلالية للوهلة الأولىحيث يؤسس أولا لعلاقته بخارج النص لنتوخاه كإشارة لغوية ضمن المستوى الأول للقراءة وبحيث تنبنيالشوارب بوصفها دالااجتماعيا يرتبطبالرجولة وكمال الفحولة, و يتآزرهذا العنوان مع عنوان أول قصة في المجموعة(فحولة) و يتماهى به ليتشكل من خلالهما – ثانيا – علاقته بمقاصد الكاتبة وبمدلولفارق يتحول داله اللغوي إلى فعل ترميز واستكناه مغاير لهذا الطرح السابق وبحيث تصبح الشوارب بصيغة الجمع والتنكير علامة حاملة لمعنى الاستبداد والقهر والتسلط الجنسيمتقاطعةمع مدلول الفحولة وبمااحتواه منطوق الحكاية التي تقنعت فيها الكاتبة بصوت الراوي المفارق لرؤى ومقاصد الكاتبة فالقصة تبدأ باستهلالة سردية حاكيةبصوت الراوي حصوله على زوجة ليعزف بعدها عن تصفح الأجساد العارية التي انطبعت في ذهنه ويصف هذه المرأة بالفقر وأنه تزوجها بالثوب الذي ترتديه ثم يمضي الراوي في الحديث عن بعض تفاصيل الليلة الأولى للزواج من خلال إلباسه لها ثوب الزفاف والعقد الذي يضعه عليها يصفه بأنه باهظ الثمن ثم يتحدث عن ربيعها الخامس عشر ويتنامى الفعل الدرامي في القصة بتكثيف الحدث الجنسي الذي كان هو عقدة الحكاية ونقطة التبئير الرئيسية للحدث القصصي, حيث يستثمر الراوي تقنية المفارقة اللفظية كأداة قصصية تعمل على تنامي الفعل الدرامي وذلك بقوله ((لابد من ذبح القطة أول ليلة كما أخبروني ))(3) وهنا تصبح المفارقة اللفظية وظيفة لإذكاء الصراع وتشكيل إحالات رمزية لواقع اجتماعي ونفسي مدان ويصف الراويشعور الخوف القاتل الذي خيم على شخصية الفتاة فهي ((ترتعد كعصفور أصابه برد يناير القارس ..تحتضن ثوبها وقد تلون بلون وحشيتيوشعيرات منها قد تمزقت بين أصابعي)) (4) .
ونلمح المفارقة من خلال الفعل وردة الفعل وبين ما يقوله الراوي وما يفعله حيث يرد قوله :(( حاولت احتضانها ..الاعتذار لها ..لكن