الإرهاب كظاهرة اجتماعية
يكتبها: عبدالرحمن مراد
■.. لاشك أن ظاهرة الإرهاب ظاهرة اجتماعية والظاهرة الاجتماعية كما يرى ذلك علماء الاجتماع تنشأ نشأة تلقائية مستقلة عن إرادة الأفراد المكونين للمجتمع, فهي ليست من صنع فرد أو بضعة أفراد مجتمعين بل هي نتاج التجمع في ذاته وبفضل فاعلية وتفاعل وجدانات الأفراد واحتكاك رغباتهم وانصهار إرادتهم وتبادل أفكارهم واتصال آرائهم ووجهات نظرهم في ما يمارسونه من أوجه النشاط, وفي ما يجابهون من مشكلات وفي ما يسيرون عليه من أساليب وقوالب وأوضاع تنظم شؤونهم العائلية ومعاملاتهم الاقتصادية وأوضاعهم السياسية وطقوسهم الدينية ومعاييرهم الخلقية ومقاييسهم الفنية الذوقية ومناهجهم التربوية وتشريعاتهم المنظمة لعلاقاتهم الاجتماعية- ومعنى ذلك كما يرى ذلك علماء الاجتماع أن ليس للفردية أو الذاتية دور يذكر في نشأة الظواهر الاجتماعية ومنها ظاهرة الإرهاب بل كادت السياسة والمجتمع أن يذهبا بذلك كله.
فحين نقول السياسة فنحن ننظر إلى عجز المشروع عن إحداث تطور وانزياح ثقافي وحضاري في الأنساق الاجتماعية المختلفة فمثلا عجزت السياسة عن ابتكار قواعد حديثة يسير عليها المجتمع في شؤون إنتاجه وتبادل وتوزيع ثرواته واستهلاك منتجاته وتشريعات عمله (نسق اقتصادي).
عجزت السياسة عن ابتكار قواعد تخضع لها في تنظيم الحكومة وتنظيم العلاقات بالمجتمعات الأخرى وإعادة ترتيب علاقة الفرد بالهيئات الحاكمة وابتكار نظم وأشكال جديدة تتوافق وميولاته مع الزمن الحضاري الجديد فيكون الماضي هو نقطة الضوء التي يعود إليها بحثا عن الوجود.
عجزت السياسة عن إحداث حركة فكرية ونقدية لقراءة مجموعة الأفكار والمناهج والقواعد والشعائر وكل التراث الثقافي والمعتقدات وتأسيس مؤسسات قائمة على أسس ومبادئ الحوار لتصحيح المعتقدات والتصورات الخاطئة في إطار مؤسسي علمي شوروي حواري يجمع الأشتات المتباعدة والفرق المتعددة تحت سقف واحد.
وحين نقول المجتمع فنحن ننظر إلى عجزه عن الحركة والتقدم وعجزه عن دراسة الأوضاع الاجتماعية في أشكالها التاريخية ولظاهرة الإرهاب الحديثة مماثل تاريخي طبعا حتى يتمكن من معرفة أصولها ويصل إلى قانون عام يحكم تطورها دون امتداد أو انحراف يهدد حياة المجتمعات.
ويرى علماء الاجتماع أن الظاهرة الاجتماعية تمثل وهن أو قوة التنظيم الاجتماعي وقوة وضعف ارتباط الفرد بجماعته فهو يقرر أن الفرد قد ينتحر أما بسبب ارتباطه بالجماعة والتحامه بها التحاما قويا أو بسبب وهن وضعف هذا الارتباط, ولذلك عندما تضعف القيم والمعايير في هيمنتها وتوجيهها لسلوك الفرد فعند ذلك يكون هذا الأمر مساعدا على الانتحار. ويرى علماء الاجتماع أن الانتحار يكون على ثلاثة أوجه هي:
– انتحار إيثاري.
– انتحار ناتج عن الأنانية.
– انتحار ناتج عن الوهن.
وأمام كل ما يحدث في واقعنا الاجتماعي والسياسي فنحن نرى غيابا كليا للاتجاهات البنائية الوظيفية التي تفسر الدور والوظيفة الاجتماعية التي تقوم بها أو تتركها ظاهرة معينة أو نظام معين في البناء أو النسق أو التنظيم الاجتماعي. ويمكن أن يقال إن ظاهرة الإرهاب تحولت إلى أداة من أدوات السياسة في الآونة الأخيرة ولعل القارئ لتموجات الواقع اليمني يدرك هذه الحقيقة دون كد ذهني أو طول تمعن وفكر, فالكل أصبح يشتغل على هذه الورقة لتحقيق أهداف متعددة ومن ضمن تلك الأهداف تشويه المنظومة العقائدية والثقافية والأخلاقية للمسلمين ومثل ذلك هدف بلغ غايته ومبتغاه عند الأجهزة الاستخباراتية الغربية والمشكلة أن الذين يهدفون من وراء التمكين للجماعات الإرهابية الابتزاز الاقتصادي أو تحقيق ثنائية الهيمنة والخضوع على الشعوب والأنظمة لا يدركون الأهداف الكلية والكبيرة للآخر المغاير الذي يسعى إلى إفراغ الأمة من أهم مصادر قوتها وهو “الإسلام” كقيمة روحية وعقائدية وقيمة أخلاقية وهو بذلك يدرك أنه بمثل ذلك يفرض هيمنته ويضمن استمرار مصالحه من خلال ثنائية الهيمنة والخضوع والتفوق الأخلاقي والثقافي والحضاري.
لقد وصلنا إلى حال علينا أن نعترف فيها بتعقد تركيب بنية المجتمع ومثل ذلك يجعلنا نقر بضرورة التكيف العقلي والفكري وهو الأمر الذي من شأنه تنمية القدرة على تحليل الظواهر وابتكار الحلول والمعالجات للوصول إلى حالة من الاستقرار والتناغم.
ويرى بعض المفكرين أنه كلما تعددت محاور الاستجابات والإرجاع الفكرية والذهنية تقدمت وارتفعت القدرة التحليلية للعقل, وتتقدم بدورها المقدرة التركيبية الفكرية.
ويرى علماء الاجتماع أن ذلك يتحقق في حال تزايد محفزات التنشيط الاجتماعي من ناحية وتعقد وتداخل مكونات البناء