تنهيدة
وثيق البريهي
..و تسلقت روحي رياح الشوق للعيش الذي قد كان في زمن الطفولة صاحبي
و ضياء فانوسي
و إذ مدت عجوز الدار رجليها
و بللت القلوب محبة
و أفاض نهر حديثها
عطرا شفيف اللون
و ضاح الثنايا
حينما تحكي عن الإنسان في ذاك الزمان
ترف من فمها الحروف
و تورق اللحظات ظلا خاشعا
كالساجد المخموور في سكر الصلاة..
و حينما تحكي عن الإنسان في الزمن الذي آت
فتأتينا بأخبار عجاف
تسكن الغربان في أهدابها
تحكي
و تمسح صوت جفنيها الحزين
تقول:
يا ولدي سيأتيكم زمان
يصبح الإنسان مثل الملح
لا الكلمات تعشب في يديه
و لا الصور.
فإذا أتيت و بابه المقهور مفتوح فلا تدخل
فإنك إن فعلت فقدت ضوء الله من عينيك
و انقطعت أناشيد السما الموصول أنت بحبلها السري..
لا تدخل ففي عتباته جن تعري الداخلين من البنفسج
من رداء النور
من نار الحنين
و فيه
يا ولدي شياطين مقنعة ترى الحروف السود في أصواتهم
تخضر
تحفر في المرايا وجهها الطيني..
لا تحفل.
فإنك إن فعلت رجعت مبحوح اليدين
رجعت مكسور البصر.
ماتت عجوز الدار
جف حديثها
و دخلت في زمن الكآبة
أعرج العينين
عاري القلب من ثوب زجاج روحي قد تهشم عند أول خطوة في الباب
و انكسرت على العتبات أضلاع المرايا
و الشعور بها انكسر.
لا نبض بعد اليوم
لا مولود حرف من فمي يحبو إلى شفتي
يزقزق جائعا
أو ظامئا
فلقد دخلنا في زمان الجوع و العطش البخيل
و لا مياه
و
لا
مياه
على رؤوس أصابعي
انطفأت شموع الريح
و
ا
ر
ت
ح
ل
المطر.