شبح الموت الجماعي يطل برأسه!!
فتحي الشرماني
لم تعد تسعفنا الألفاظ في وصف ما يحدث من فظائع وأحداث بعيدة كل البعد عن أخلاق الإنسان اليمني المعروف بها عبر التاريخ .. تقتات اللغة العجز كلما أوغلنا في الذهول وتبلد الإحساس أمام صناعة الموت التي باتت تحاصرنا لتسقط منا كل يوم أرواح بريئة في مشاهد قد لا تصدöق أنها تحدث اليوم في بلد اسمه (اليمن), لولا أنك تقرأ الخبر وينقل الإعلام إليك مسرح الجريمة وصور الضحايا ومناظر الدماء والأشلاء.
في اليمن اليوم جرائم تنتزع الحياة من أناس عاشوا حالمين بوطن يسعدون فيه فلم يجدوا غير الموت بتفجير يبعثر طموحات شعب حين يبعثر أشلاء رجال باتوا ليلتهم نياما على الرصيف المحاذي لمبنى كلية الشرطة بانتظار صبح يكونون فيه أول المحظوظين بالقبول للاغتراف من نور المعرفة العسكرية, وما فعلوا ذلك إلا لأنهم يؤمنون بشرف الجندية وأنها صمام أمان هذا الوطن ومصدر عز لأبنائه, مهما كانت المشكلات والصراعات والأزمات والاختلالات, فقد كانوا ممن يدركون أن يوما ما سيأتي لنرى فيه اليمن حيث ينبغي أن تكون, فهي أصل العروبة ومنبع الحضارات وبلاد العربية السعيدة وأرض سبأ وحمير ومعين وقتبان وحضرموت وظفار وذي ريدان.
في اليمن اليوم تختلط الحقيقة بالفنتازيا, والواقعي بالافتراضي, والممكن باللاممكن .. نقلت بعض المواقع الإخبارية أن هؤلاء العسكريين المغدورين كان بعضهم يتأمل في مشهد التزاحم وربما متذكرا في اللحظة نفسها تلك الجريمة الإرهابية التي حدثت العام المنصرم في المكان نفسه, فيقول: ماذا لو أن انتحاريا تسلل إلينا وفجر نفسه في وسط هذا الزحام¿
إن من قال ذلك كان على تمام الثقة بأن الدنيا لازالت بخير, وأن اليمن لا يمكن أن تتحول إلى عراق آخر تحصد فيه التفجيرات عشرات الأرواح بشكل شبه يومي, وأن (صنعاء) لم ولن تصبح فرنا يشوي كل من فيها, وأن الصراع لن يأخذ مسارات كارثية أكثر مما قد حصل .. كان هذا شعور أولئك المغدورين والناجين على السواء .. وهو شعور اليمنيين جميعهم على اختلاف توجهاتهم واهتماماتهم وميولهم, وإلا لما خرج الناس من بيوتهم كل صباح ولما تجمعوا هنا أو هناك أمام دائرة حكومية أو في قاعة كبرى .. لكننا نفاجأ بأن كل ما نستبعده يقع, وما نحذره يتحقق ليصدق قول شاعر تميم في الجاهلية أوس بن حجر متحزنا آسفا:
أيتها النفس أجمöلي جزعا إöن الذي تحذرين قد وقعا
حتى الآن لاتزال هذه الثقة هي من يحرك الناس, وأخاف أن تتضاءل شيئا فشيئا ويوما بعد يوم حتى نفقدها تماما, فيصبح الواحد منا لا يخرج من بيته إلا وقد كتب وصيته وودع أهله لكونه يعلم أنه لن يعود .. ولهذا فعلينا أن نتدارك أمرنا وننقذ وطننا .. والمسؤولية في تحقيق هذا التدارك ملقاة على عاتق كل من يتصدرون مشهد اليوم .. فليس أمامهم سوى أن يتدارسوا في ما بينهم سبل إعادة الوطن إلى مربع الأمان وتحصينه ضد هذه الجرائم المروعة, فهل يا ترى أدركوا أهمية المسارعة إلى تحقيق ذلك, أم أنهم سيتركوننا نموت موتا جماعيا كل يوم¿!