فجعة صاحبي …

عبدالرحمن بجاش


 - قال: صحوت كما أصحو كل يوم, عند أن يؤذن الأذان الثاني, صليت, ولحظة أن هممت بالقيام من على سجادتي امتدت يد إلى كتفي, كان عمر,: أدع لي يا أبي, سأذهب إلى كلية الشرطة, في
قال: صحوت كما أصحو كل يوم, عند أن يؤذن الأذان الثاني, صليت, ولحظة أن هممت بالقيام من على سجادتي امتدت يد إلى كتفي, كان عمر,: أدع لي يا أبي, سأذهب إلى كلية الشرطة, في المساء كنت غاضبا عليه كما يغضب أي أب نتيجة للمماحكات اليومية معي, مع أخوانه, ملح الطعام اليومي, في تلك اللحظة أحسست بالرضى يشمل روحي: روح يا عمر ربنا يفتح لك كل الابواب , كانت امه تراقب المشهد واقفة : تعال كل , رد بسرعة: مش وقته زملائي ينتظروني, مددت إلى يده ببضعة ريالات وذهب, كان صاحبي يحكي اللحظات التي ذهب خلالها عمر, وعدت أنا- يواصل – للنوم لبعض الوقت, عند الثامنة صباحا اتصل بي قريب لي ضابط في النجدة: حاول تطمئن على عمر لقد حصل تفجير أودى بحياة كثيرين, والوضع سيئ جدا, يقول صاحبي: أحسست أن ركبي انفصلن عن جسدي, نزل وجهي إلى رجلي, ارتفعت أرجلي إلى رأسي, لم ألوي على شيئ, بعد ان استطعت بالكاد أن أمد يدي إلى التليفون, كان لا يرد, وفي الشارع ظللت أجري حتى أول دباب, وعلى الدباب كنت أسمع سائقه يردد: صل على النبي, مالك, أيش حصل, لم أكن أدري بماذا أهذي, ربما كنت أردد عمر, أو اسمي, اسم أمه, أخوته, زملائه من الحارة, كنت عبارة عن آلة تردد كلاما غير مفهوم, وعند تقاطع المالية قفزت من الدباب أو هكذا خيل إلي, كنت أسمع فقط صوت السائق: رح لك دور على ابنك لا أريد أجره, لا أدري هل مددت إليه بيدي بالفلوس أو لم أمد, كنت أسبح في فضاء عالم آخر, فقط أحسست بنفسي ويد تدفعني إلى الخلف: يا والد ممنوع, سمعت صرخة تتردد في أعماقي, وقال لي أحدهم فيما بعد هو صوتك, لقد صرخت في وجه العسكري: ابني, جريت بكل قوتي, لأصل إلى أين فجر الشباب, لا أدري هل ما رأيته صحيح, ظننت للوهلة الأولى أن ما أراه ماء, كانت دماءهم, سمعتها ربما من أحد من كان يجري محاولا إنقاذ من استطاع, أيقنت أن ابني خلاص راح مني, اتكأت على أقرب جدار, ليخيل إلي أن دموعي اختلطت بالدماء, بالملفات, بالبرد, بالصور, كل شيئ بكل شيئ, لا أدري ما الذي حدث لي بعدها, فقط كنت أمسك ربما بالمصحف وسط البيت وأقرأ, ودموعي تتناطف على المصحف: ابني …أصرخ …تلتقي صرختي بأنين أمه المكلوم, ببكاء اخوته, بدموع جدران البيت, عند الثانية عشرة ظهرا, خيل إلي أن تليفوني يهتز, يرتعش, أحدهم يتصل, تسمرت عيناي على رقم عمر: يا به أنا موجود, هل سمعت, هل هو حقيقة, هل هل هل هل …أسئلة ترددت في أعماقي: ولم لم ترد¿: يابه كان التليفون في البقالة, وأنا وقت الانفجار كنت أصطبح في المطعم القريب, لم أصدق قال صاحبي أن عمر حي, عمر عاد, أين أصحابك, لم يقو على الرد, بدأ يحكي عما حصل وأمه هناك تهتز كشجرة, وكلما أوغل في التفاصيل تبكي أعماقنا عن شباب قال عمر أن معظمهم نام أياما بجانب السور خوفا على الدور, معظمهم لم يجد قيمة القرص الروتي, كلهم نحرهم البرد قبل تفجير أجسادهم, قال عمر يحدثني أنا: والله يا عم عبده أن من بجانبي كان يحدثني وجسده يرتعش من البرد, ويمني نفسه بكدم الكلية حين يقبل, كنا – يقول عمر- غير واثقين أن أحدا سيقبلنا, فلا وساطة لدينا, كنا على باب الكريم, يابه عدت أدور عليه ذلك التي كانت معدته خاويه, وجسده بارد قد تحول إلى أشلاء, الآن عاد عمر بالسلامة, وبقلب كسير على زملائه, وعدم يقين حيال كل شيء, فقط يكون السؤال لمن أمر بالتفجير, فقط أسأله كأب, كإنسان: ما ذنب أولئك الذين كانوا في عز قسوة البرد يبحثون عن مستقبل يتمثل بحبة كدم, وبطانية, الأولى تقي كرامتهم, والثانية تقيهم البرد, بعيدا عن السياسة, بعيدا عن الطائفية, بعيدا عن كل اعتباراتنا اليومية الحقيرة, هل بالإمكان أن أحصل على جواب, فلو كان هؤلاء جزءا من حرب لقلت ربما, لو كانوا جزءا من حسبه لقلت لعل وعسى, لكنهم كانوا يبحثون عن ترقية, عن حبة كدم, عن بطانية وفرش يصون كرامتهم, يقتلون !!! كيف¿¿ الشكوى إليك يا رب السماوات والأرض نيابة عن عمر وأبيه وأمه وعن ذلك الذي تشنتح جسده فلم يجدوا في معدته حتى بقايا أكل …………, يا رب تكاد نار الحرقة تفتك بي حزنا عليهم…….الآن أين يذهب عمر وقد كره كل شيء..

قد يعجبك ايضا