لماذا لا نرسم نهاية للصراعات¿
فتحي الشرماني
أسوأ ما في الصراع السياسي أن المتماهين فيه يرونه, وكل من منظوره الخاص, فعالية لتصحيح وضع خاطئ, وعنفوانا يحركه شعور بالغيرة على وطن يضيع ومواطن لا يجد من يلتفت إليه, وبهذا تتدفق المحفزات والمسوغات التي يصنعها مخيال النخبة لتنشيط دورات الاختلاف والتناحر, حتى يصبح هذا التناحر في حكم العادة التي يصعب تخيل المشهد اليومي بدونها.
وحين تأخذ الأزمات السياسية في التعقد وتتطور حلقات الصراع يتحول الوطن إلى ساحة لإنتاج الأخطاء وإعادة إنتاج أخطاء موجودة, وتتضاءل كل يوم فرص العودة إلى النقطة التي بدأ منها الصراع والأرضية السياسية التي انطلقوا منها.
أما تلك الأهداف التي كانت تسوغ الصراع في أذهان النخبة بداية الأمر, أي (تصحيح الوضع الخاطئ, شعورا بالغيرة على وطن يضيع ومواطن لا يجد من يلتفت إليه) فتجد النخب السياسية نفسها مجبرة على ترك الحديث عن هذا الجانب لأنه يبدو قفزا على الواقع وحرقا لمراحل ضرورية, وذلك أنهم يتفاجؤون بالصراع وقد نخر أساسيات وقواسم كثيرة, وأحرق جسورا كثيرة للاتصال وتحكيم العقل, وفي ظل ذلك تختلط المفاهيم ويصاب السياسي بالإعياء وتنعدم الرؤية, ومن ثم يتعذر على السياسيين الوصول إلى توصيف دقيق للخطأ, ومعاير الحكم على الشيء بأنه خطأ, وهنا يغدو الحديث عن تصحيح الخطأ أمرا سابقا لأوانه, إذ الأولى في هذه الحالة أن تعرف النخب أي درجة وصل إليها الصراع, وعلى أي أرضية يقف العمل السياسي, وما الآليات والخلفيات الصحيحة لقراءة الواقع, وصولا إلى الآليات الصحيحة لإيجاد الحلول والمعالجات .. يكفي في هذا الجانب أن ننظر قليلا إلى الوراء لنعرف أين نحن من مؤتمر الحوار الوطني الشامل¿ وأين نحن من اتفاقية السلم والشراكة¿
لهذا نقول: إن الصراع المحتدم الذي لا يستطيع أحد التهوين من شأنه سيهوي بنا إلى مكان سحيق أكثر مما هو حاصل اليوم إذا لم يكن التفكير بالخروج من هذه الحالة هو سيد الموقف .. لا يمكن أن يستمر الوطن على هذه الحالة من التردي الأمني والاضطراب السياسي التي يجد المواطن نفسه مجبرا على الدخول فيها ليخسر كثيرا مما استطاع أن يحققه منذ عقود .. ليس في مجال المشروع والمؤسسة والتنمية فحسب, بل أيضا ما حققه من الوعي المدني المتراكم.
في حقيقة الأمر لا ينبغي لنا نحن اليمنيين أن نخسر أكثر مما قد خسرناه حتى الآن .. ونحن اليوم نشهد قطيعة بين الأطراف السياسية قد لا يلاحظها الكثيرون, فما المانع من العودة مرة أخرى إلى الطاولة فقد تكون العودة الثالثة فيها خيرا .. إن اليمنيين ما خلقوا للعيش على وقع أزمات متناسلة تقتات من أحلامهم وصبرهم ونضالهم, ولابد لهذه الصراعات من نهاية.
أما نحن فسنظل نؤيد كل الأصوات الوطنية الشريفة التي تدعو إلى كلمة سواء, وتحث المخطئ على الرجوع عن خطئه, وتصر على ضرورة إنقاذ هذا الوطن الذي كنا نزعم أنه قد شارف على الخروج من النفق المظلم الذي لايزال في بحبوحته عرب آخرون .. فأين نحن اليوم وأين كنا¿