أسطورة جبل
بلغ شخصان في تاريخ 8 أغسطس من عام 1786 من بلدة شامونيكس الفرنسية قمة الجبل الأبيض الأكثر علوا في أوروبا عن مستوى سطح البحر وكانت بالنسبة لهما أعلى قمة في العالم. لكن الأهم أن بلوغهما القمة كان يحمل دلالة مجازية كبرى من حيث انتمائهما إلى حضارة ظافرة وصاعدة. وبهذا المعنى يشرح المؤرخ بيتر هانسن الدلالات الحضارية لبلوغ أعلى قمم الجبال في كتابه الذي يحمل عنوان “قمم الإنسان الحديث”.
يشير المؤلف الى أن الجبل الأبيض وصف حتى القرن الثامن عشر بـ”الجبل الملعون”. وبالتالي لم يكن هناك محاولات كثيرة لبلوغ قمته ما من قبل الكثيرين تجنبا لـ”اللعنة” وما تجلبه من مخاطر. تلك الصورة المبهمة والأسطورية للجبل الأبيض أخذت تتلاشى في نهايات القرن الثامن عشر مع بروز النزعات العقلانية ومن ثم بعدها في القرن التاسع عشر النزاعات المادية التي أصبح “الجبل الأبيض” معها موضوعا للمعارف الجغرافية والطبيعية.
ويؤكد هانسن أن الظاهرة تعود إلى أزمنة قديمة جدا وأن الرواد الأوائل بمجالها كانوا صيادي الظباء الجبلية والباحثين عن البلورات والمعادن النادرة. وهم الذين تولوا في ما بعد دور الإرشاد إلى المسالك والشعاب.
والإشارة إلى أحاديث كثيرة عن أشخاص صعدوا إلى هذه القمة أو تلك من سلسلة جبال الألب فمثلا الإمبراطور هدريان والفيلسوف بترارك. لكن يبقى الطبيب ميشيل باكار ودليله جاك بالما من شامونيكس المجاورة هما أول من بلغ قمة الجبل الأبيض في شهر أغسطس من عام 1786. وأما تعميم ثقافة “الصعود إلى قمم الجبال” فيعيد الفضل الكبير فيها إلى المؤلف السويسري هوراس بينيديكت دو سوسور الذي روى قصة صعوده إلى قمة الجبل الأبيض عام 1687.
ويضيف في هذا السياق ان شيوع “ثقافة الرياضة”من جهة وتطور وسائل النقل وسهولة الحركة مع تطوير شبكات السكك الحديد من جهة اخرى سار في اتجاه تشجيع “تسلق القمم” من قبل أوروبيين من بلدان مختلفة نفسه في مقدمتها بريطانيا ثم ألمانيا والنمسا وفرنسا.
ويرى المؤلف أن إرادة تسلق قمم الجبال ترافقت مع إرادة تأكيد الأنا الفردية من خلال إنجاز عمل فردي كبير. ويرى المؤلف أن أفكار عصر التنوير أكدت على أهمية الفرد كقيمة كبرى مثل ما بدت البطولة الفردية في تسلق قمم الجبال تندرج في تيار تاريخي يتجاوز النجاح الفردي.
والتذكير أيضا في أن الإصرار على تحقيق السبق وبلوغ القمم للمرة الأولى هو بحد ذاته “مفهوم حديث” ولا يزال هدفا في جميع ميادين الحياة. ويعلن هانسن في كتابه أن باكار وبالما كانا أول من وصل إلى قمة الجبل الأبيض.
إن المؤلف يكرس العديد من الصفحات للحديث عن المنافسة التي استمرت على مدى قرنين من الزمن تقريبا لمعرفة من الذي وصل أولا إلى قمة “الجبل الأبيض”. وهل كان ميشيل باركار الطبيب أم جاك بالما الدليل¿ ويبين ان الأمر يتعلق بمن حقق الانتصار الفردي أولا.
ومن الذين يتعرض المؤلف لمغامرتهم في تسلق قمة الجبل الأبيض البريطاني وليام وندهام الذي كان قد قام بحملات اكتشاف في مناطق من مصر والشرق الأوسط في إطار مشروعه لإنجاز “جولته الكبرى”. ويلفت الى أن التعبير كان يعني رحلة طويلة عبر أوروبا وبلدان الشرق الأوسط كان يقوم بها الارستقراطيون الأوروبيون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وكان وندهام قد نظم في عام 1741 حملة لاكتشاف الجبال الجليدية المحيطة بوادي شامونيكس الذي تشكل قمة الجبل الأبيض أحد قممها.
ويشرح المؤلف أنه اعتبارا من القرن التاسع عشر تغيرت الصورة تماما مع قيام بورجوازيين متنورين وأرستقراطيين إنجليز بزيارات متكررة ومحاولات اكتشاف لأماكن كان ينظر إليها على أنها مستعصية أو ملعونة. وهناك ملاحظة تتكرر في هذا الكتاب مفادها أن أعداد الراغبين في تسلق القمم زادت حاليا إلى حد أن العديد منهم يفقدون سنويا حياتهم. وهذه الزيادة هي أيضا إحدى سمات الحداثة المعاصرة كما يشير المؤلف.
المؤلف في سطور
بيتر هانسن. مدير معهد وورسستر للتقنيات المتنوعة ـ البوليتيكنيك. متخصص في تاريخ الحقبة الاستعمارية وفي العلاقات المتداخلة بين الثقافات. يعمل حاليا على التأريخ لقمة جبل ايفرست في جبال الهملايا.
الكتاب: قمم الإنسان الحديث.. تسلق الجبال الشاهقة بعد التنوير-تأليف: بيتر هانسن-: جامعة هرفارد- 2013الصفحات: 392 صفحة.
“الشعوب والقوميات منذ 1780م”
أصدرت دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافةالترجمة العربية لكتاب “الشعوب والقوميات منذ 1780م المنهج والخرافة والحقيقة” للمؤرخ البريطاني المعاصر إي جيه هوبزبوم.
يضم الكتاب الذي ترجمه مصطفى حجاج ستة مقالات سبق للمؤلف أن قدمها هل هيئة محاضرات في جامعة كوينز أوف بلفاست في شهر مايو عام 1985 ويقول المؤلف في المقدمة “لقد جرى تركيز محتويات هذا الموضوع في أر