ما يزال الوطن منعتقا

جميل مفرح


 - سأعود مضطرا للحديث عن الهوة الكبيرة جدا التي تفصل بين الشعب اليمني وبين نخبه وفي مقدمتها النخبة السياسية وهو الموضوع الذي كتبت عنه كثيرا وإن بطرق وبمداخل مختلفة وكتب عنه كثير
سأعود مضطرا للحديث عن الهوة الكبيرة جدا التي تفصل بين الشعب اليمني وبين نخبه وفي مقدمتها النخبة السياسية وهو الموضوع الذي كتبت عنه كثيرا وإن بطرق وبمداخل مختلفة وكتب عنه كثير من الكتاب والمحللين والمتابعين.. فما يشتغل عليه السياسيون وتعنى به الأطراف السياسية اليوم لا يكاد يعني العامة عامة الشعب لا من قريب ولا من بعيد وما يأمله ويتمناه عموم أبناء الوطن لا يكاد يكون في حسابات وطموحات ورؤى السياسيين.. ومن هنا تتجسد واضحة تلك الهوة التي أعنيها والتي تشكل فاصلا فارقا بين الطرفين حد التباين وربما التناقض شبه المطلق!!
كثيرا ما قلنا ذلك وتحدثنا عنه في مناسبة وغير مناسبة وتأكد لنا من الوقائع والأحداث المتوالية في الواقع الحياتي خصوصا منذ اندلاع وتأجج الأزمة أو الأزمات السياسية المتتابعة منذ العام 2011م وبما في ذلك الراهن المعاش اليوم والذي تتجلى تفاصيله كنتاج لتلك الأزمات المفتعلة والمصطنعة من قبل فئة السياسيين وبإيقاد شعبي سرعان ما تراجع وخفت صوته بعد اتضاح سطوة وحركية السياسي فيه ومحاولة تحويره من الفعل الشعبي التغييري الطامح إلى الفعل السياسي الهادف لتحقيق انتصار قوى سياسية ضد أخرى تحت شعارات تثويرية ووطنية كبرى.
ومن تتابع الأحداث وتوالي المتغيرات بات واضحا لدى العامة والخاصة أن الفعل أو التدخل السياسي البحت أجهض كل المشاريع الشعبية والوطنية الطامحة في واقع متغير إلى أفضل مما هو عليه الحال.. وبدت الحسابات متباينة بل متناقضة في رؤاها وأهدافها بين الشعبي الوطني الطامح وبين السياسي الانتهازي الطامع.. وبات كل من الطرفين يفعل ويطور من أدوات تعينه باختلاف وتباين الأهداف والمقاصد وإن توحدت الطريق المؤدية إلى ذلك أو بالأصح صورة الطريق المؤدية إلى ذلك وهي طريق الانتفاضة الثورية التغييرية ففي حين كانت هذه الانتفاضة في رؤية الشعبي الوطني تغييرية طامحة إلى الحياة الأفضل والواقع الأحسن الذي يستحقه الإنسان اليمني في زمنه المعاصر, كانت تلك الانتفاضة في رؤية وطموح أو مطامع السياسي فرصة للانقضاض على مفاتح ومقابض السلطة والاستئثار بها بعيدا عن أية طموحات أو أحلام يبني عليها الشعب آماله وتطلعاته.
وكما قلت سابقا كثرت وتوالت الأحداث والمتغيرات التي أثبتت وتثبت ذلك التبين بين الطموح الشعبي والطمع السياسي وبالتالي اتساع الهوة بل الهوات بين هذين المكونين.. وعلى الرغم من اطمئنان السياسي لبرهة من الزمن على تحقق أهوائه أو رغباته إلا أنه نسي ذلك الشريك المتمثل في الطرف الشعبي الوطني وهمشه وأقصاه بعيدا وبسرعة تعكس انتهازيته للمتغير الذي لم يكن له دور فيه إلا أن كان متلقيا متلقفا لحالة ثورية جاهزة طور أساليبه لصالحه وحول كل مجرياته لتخدمه بعيدا عن كل معاني التغيير الشعبي الاجتماعي والوطني الحقة.. نعم أثبتت كل التحولات أن ثورة السياسي لم تكن ذاتها ثورة الشعب وهو ما أضر كثيرا وسيضر أكثر بالنخبة السياسية في حاضرها ومستقبلها بطريقة واضحة غير أن السياسيين لم يضعوها في الاعتبار بالشكل الإيجابي والصحيح وكأنهم يكرسون مقولة “أنا ومن ورائي الطوفان”.. غير مدركين أن ذلك الطوفان هو من سيلحق بهم ليجتثهم يوما ولم يعد ذلك بعيدا جدا.
عموما وبالرغم من محاولة السياسي ثني الشعبي والوطني وطيه في مكامن ومخابئ مشاريعه وطموحاته الفردية إلا أن ذلك باعتقادي بات ضربا من المستحيل وجزءا من ماض قريب لم يعد بالإمكان تكراره وتغليف العقلية العامة بمراوغاته وأكاذيبه التي لم تعد تنطلي على أبسط فئات المجتمع وأقلها حظا من التثقيف والوعي السياسي والانتفاعي فقد أوجد تكرار التجارب والمعايشة بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة قناعات شعبية عامة أولاها أن الطريق الواحد الذي جمعهما في بدايته على مرمى ثورة تغييرية طامحة يتوحدان ويجتمعان فيها وفي إيقاد جذواتها لم يطل كثيرا وسرعان ما افترق ليغدو طريقين مختلفين في الوجهات والإرادات..
أخيرا تصمم الآراء بقوة الآن على أن الشعب لم يعد ذلك الهامش المقصي والوقود المستهلك وأثبتت الأحداث أنه مهما يكن ذلك السياسي ومهما تكن متغيراته ومغرياته لم يعد وربما لم يكن أيضا ذا قدرة على إعادة صياغة الوجهة والثقافة الوطنية وأن اليمن يظل ذلك الشعب المتماسك المحافظ على هويته وواحدية صفه والمتطور في صيغ وطنيته وتمسكه بالمبادئ الوطنية المثالية وأنه أصبح يتعامل مع المتغير السياسي كصور صراعية افتراضية وانفعالية بين حفنة من المنتفعين سياسيا ولا تكاد تعنيه بأي ضرورة من الضرورات ما دامت قائمة على الانتهازية والوصولية

قد يعجبك ايضا