التمثيل مهنة قاتلة
وجدي الأهدل

بوفاة الممثل الكوميدي يحيى الحيمي (1960- 2013)* عن عمر ناهز الثالثة والخمسين عاما تكون اليمن قد فقدت فنانا نادرا لطالما أدخل المسرة في قلوب المشاهدين بأدواره المتنوعة وخفة دمه. وهذا الفنان الذي عانى الكثير من الآلام في حياته وذاق أهوالا في سبيل فنه يستحق منا لفتة تقدير لأعماله وإحياء لذكراه توفيه حقه. وأما حياته ذاتها فإنها تستحق أن يضرب بها المثل في التضحية فهو كخيرة الممثلين اليمنيين قد دفع الثمن غاليا لما اختار هذا الطريق الوعر المحفوف بالأشواك وصمم على متابعة مشواره أمام الكاميرا ولو كلفه ذلك سلامه الاجتماعي واستقراره الإنساني.
وكان قد سبقه إلى رحاب الخلود ممثل يمني آخر هو الفنان القدير عبدالكريم الأشموري (1968- 2012)** الذي قدم الكثير من الروائع الكوميدية وأضاف إلى رصيد الدراما اليمنية أعمالا ذات شعبية هائلة لا يمل الناس من مشاهدتها المرة تلو المرة.
ويبدو أن الممثل الكوميدي في اليمن الذي يتحمل عناء رسم الضحكة على وجوهنا وإدخال البهجة إلى بيوتنا يكابد أشد المكابدة خلف الكاميرا فقلبه مثقل بالحزن
-لأسباب يطول شرحها- وروحه تعاني مرارة أشد من العلقم نتيجة للتناقضات التي يعايشها في الصبح والمساء إذ هو يعاني من الفاقة وضيق ذات اليد بينما هو في نفس الوقت نجم مشهور يلتف الناس حوله في الشوارع والأسواق فتجري معاملته على أساس متوهم من أنه غني ومن أهل العز المحظوظين.
ينتج عن عدم التناسب بين مكانة الممثل كنجم مشهور تعرفه الملايين وبين وضعه المادي البائس حالة غير مريحة تشبه إمساكنا بقطعة قماش حريرية رقيقة وتمزيقها إلى نصفين.. هذا التمزق الذي يزداد طرديا مع ازدياد الشهرة هو الذي يؤثر على صحة الممثل اليمني ويضغط على أعصابه ودمه وشرايين قلبه ويجعله عرضة للرحيل المبكر.
كما تجدر الإشارة إلى أن مهنة التمثيل من المهن الشاقة جدا إذ ينبغي على الممثل أن يخرج من ذاته ويتقمص ذواتا أخرى ويظل على هذا النسق لسنوات ما يكاد يخرج من شخصية حتى يدخل في شخصية غيرها ولهذا التقمص الوجداني وحمولاته النفسية والعصبية آثار لا تمحى على الممثل والخاسر الأكبر في هذه المعادلة الصعبة هي صحة الممثل التي ما تلبث أن يلحق بها الضرر.
يتغلب الممثلون في سائر بلاد الله على هذه الأضرار بواسطة الإجازات الممتعة وحياة الرفاهية التي تمنحهم تعويضا سخيا عن البؤس أو العنف المتخيل الذي تمثلوه أمام الكاميرا. وأما الممثل اليمني – وفي حكمه أيضا الممثلة اليمنية إن لم تكن أسوأ منه- فإن ظروفه المادية المحدودة جدا لا تسمح له أن يحصل على هذه (التسوية) لينجو بحياته من مخاطر مهنة التمثيل.
* يحيى الحيمي: ممثل مسرحي وتلفزيوني من مواليد محافظة صنعاء التحق بالمسرح الوطني في العام 1978 وكان أول عمل مسرحي يشارك فيه هو مسرحية “الحارس”. ثم توالت مشاركاته في العشرات من المسرحيات مثل مسرحية “رسالة إلى سيف” ومسرحية “الفأر في قفص الاتهام”. وكان أول عمل تلفزيوني له في العام 1979 في المسلسل التلفزيوني “حكاية في مثل” ومسلسل “شهريار” ومسلسل “وضاح اليمن” ومسلسل “نجوم الحرية والإعصار”. كما حقق شهرة كبيرة في المسلسلات الكوميدية مثل مسلسل “كيني ميني” ومسلسل “شر البلية” ومسلسل “همي همك”. كما له مشاركات عديدة في المسلسلات الإذاعية.
** عبدالكريم الأشموري: ممثل مسرحي ومؤلف يعد من أشهر نجوم الكوميديا في اليمن التحق بالمسرح الوطني عام 1984 وشغل موقع مدير الإنتاج بالمؤسسة العامة للمسرح والسينما وشارك في العشرات من الأعمال المسرحية والإذاعية والتلفزيونية. لعب أهم أدواره في: مسلسل سيف بن ذي يزن (مسلسل يمني – سوري مشترك) ومسلسل خطوات على الجبال (مسلسل يمني – سعودي مشترك) ومسلسل ” الوصية” ومسلسل “الثأر” ومسلسل “ناشر وطشه” ومسلسل “كيني ميني” ومسلسل ” عيني عينك” ومسلسل “عبر العصور” ومسلسل “حكاية صابر”. وكذلك مثل في أول فيلم سينمائي يمني “الرهان الخاسر”.