المجتمع المدني في اليمن

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - لا تبدو تجربة اليمن قصيرة إذا ما نظرنا إلى البدايات الأولى في تشكل المجتمع المدني والتي كانت عدن هي الحاضنة الكبرى لتلك النواة التي تركها الاستعمار ال
لا تبدو تجربة اليمن قصيرة إذا ما نظرنا إلى البدايات الأولى في تشكل المجتمع المدني والتي كانت عدن هي الحاضنة الكبرى لتلك النواة التي تركها الاستعمار البريطاني نتيجة الأثر المتوقع للسياسات العامة للحكومة البريطانية التي كانت تحتلها في ذلك الزمن الذي امتد إلى عام 1967م حين جلاء آخر جندي بريطاني من الجنوب اليمني الذي رزح تحت نير الاستعمار زمنا طويلا وكان له أثره المدمر وأثره الايجابي شأنه شأن أي حركة أو أي نظام من حيث الأثر والتأثير على البناءات العامة في المجتمعات.
نشأت إبان ذلك الزمن النقابات والجمعيات والتيارات السياسية وكانت تمارس نشاطها السري والعلني وفي الاربعينيات من القرن الماضي انتقل بعض رموز المجتمع في صنعاء وعملوا على تشكيل حزب سياسي في عدن لمناهضة حكام صنعاء وهو حزب الاتحاد اليمني ومثل تلك الإشارات دالة على عمق التجربة وفقدان الأثر المترتب عليها بسبب الانتكاسات العامة في المسار التاريخي لعملية التحول والانتقال التي مرت وتمر بها اليمن في مختلف مراحل التاريخ اليمني.
كانت الوحدة اليمنية مع ما صاحبها من رؤى اجرائية تحولية هي الثورة الحقيقية التي أحدثت زلزالا عميقا في بنية المجتمع الثقافية والاجتماعية والسياسية وكانت ثورة صادمة للبناءات التقليدية في الشمال إذ تخوفتها وانفراجها نفسيا واجتماعيا وسياسيا للبناءات الاجتماعية الأكثر ميلا إلى الحداثة في الجنوب ويبدو لنا من التأملات الأولية في السياق العام أن حرب صيف 1994م كانت هي نقطة النكوص فالمجتمع الحداثي في الجنوب انكفأ على ذاته وذهب إلى النقاط المضيئة في التاريخ ليجد ذاته فيها إلى درجة الحنين إلى الاستعمار البريطاني ندرك ذلك من خلال رمزية الاعلام التي تصاحب المظاهرات والمسيرات للحراك الجنوب أو بعض فصائله ولم يكن حظ الشمال من التحديث بالقدر الذي نتوقعه من الوحدة اذ أحكمت القبيلة سيطرتها وبرز مشروع الشيخ الاجتماعي كظاهرة سياسية واضحة المعالم والأهداف وقد ساعد مشروع الشيخ في الظهور نتائج الحرب وضرورات وقد ساعد مشروع المرحلة إذ تركت هزيمة المشروع الحداثي في الحرب والمتمثل في الحزب الاشتراكي اليمني حينها فراغا في البناءات العامة وقد ملأ ذلك الفراغ مشروع الشيخ الاجتماعي ومشروع الشيخ الديني أي مشروع القوى التقليدية المعيقة لعملية التحديث والتطوير في البناءات وقد عشنا مراحل ذلك الزمن المعيق بكل تفاصيله ورأينا كيف مارست تلك القوى التقليدية نشاطها إلى درجة تعطيل خاصيتي الابداع والابتكار واستلاب المجتمع وقواه الاجتماعية الحداثية وظل الاحتقان يتوارى كالجمر تحت الرماد في الجنوب في 2007م وقد رأينا كل الذي حدث في 2011م والذي كان تعبيرا عن حالة اجتماعية مقهورة ارادت الانتقام بشكل مباشر من معيقي حركة تقدمها وظل ذلك هو هاجس كل القوى نلمس ذلك من خلال النشاطات المختلفة والتي كانت تعبيرا صادقا عن شعور نفسي ضاغط.
في خلال الفترة الممتدة بين 1994-2011م ظل المجتمع المدني في اليمن واقع تحت هيمنة القوى التقليدية أي تحت هيمنة مشروع الشيخ الاجتماعي وواجهته السياسية المؤتمر الشعبي العام ومشروع الشيخ الديني وواجهته السياسية حزب التجمع اليمني للإصلاح وكان المشروعان متناغمين إلى حد ما في تلك المرحلة ولم تظهر بوادر الانشقاق إلا بعد موت الشيخ عبدالله حسين الأحمر.
شكلت الانتخابات الرئاسية في 2006م منعطفا مهما في سياق المرحلة وبدا نشاط مؤسسات المجتمع المدني السياسية والحقوقية والنقابية ملحوظا وكان حزب التجمع اليمني للإصلاح أكثر هيمنة على تحديد أهدافها وصياغة موجهاتها وقد بدت تلك المؤسسات في ذروة زهوها ومجدها في أحداث 2011م وتموجات الربيع العربي وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية وحدوث الانتخابات الرئاسية في فبراير 2012م هدأت وما نكاد نسمع لها ركزا.
دلت الأحداث المتوالية في الفترة 1990م-2014م على فقدان المؤتمر لمفردات المجتمع المدني وتشكلها في بنيته التنظيمية وكان أكثر استغراقا في البناءات الاجتماعية التقليدية وهو العامل الذي أفقده القدرة على إحداث التوازن السياسي والثقافي والاجتماعي في 2011من كما أوحت لنا تلك الفترة بقدرة التجمع اليمني للإصلاح على توظيف تلك البناءات الحديثة في المجتمع لتوجهاته السياسية فهي تنام حتى تشعر بخطورة المرحلة أو حاجتها فنراها تستيقظ من سباتها فهي واقعة تحت هيمنة الفعل السياسي وتوجهه ولم نشعر يوما من الأيام أنها تعبير اجتماعي وسلطة موازية لسلطة الدولة.
وفي ظل فقدان فاعلية بقية مؤسسات المجتمع المدني أو تعطيل دورها في بناء التعبيرات الحقوقية والنقابية والثقافية نجد واقع اليمن المدني يعيش خللا في البناءات والتعبيرا

قد يعجبك ايضا