رؤية.. في الاقتصاد الوطني
عبدالرحمن مراد

مقالة
تمر اليمن بأزمة خانقة وكل أزمات الدول جذرها اقتصادي في المقام الأول وحين تغيب المعرفة عن البناءات العامة للدولة تصبح قضية الناس وقضية الدولة أكثر تعقيدا أو أكثر تشظيا وفي اليمن يتجدد إنتاج التخلف في البنية الاقتصادية وما يزال يراوح دائرة الاستهلاك ولم ينتقل منها إلى دائرة الإنتاج وفي مظاهرة العامة هو اقتصاد سياسي يولي ظاهرة التناقض الاجتماعي أهمية بالغة ولا يكاد ينتقل منها إلى سواها أكثر ديناميكية وأكثر تفاعلا في بنية الاستقرار السياسي إذ أنه يساهم في تعميق الانشقاقات والانقسامات في البنية الاجتماعية وذلك من خلال الصراع بين الرغبة في الثروة والرغبة في حماية الأقوى والأكثر عددا وتمكينا في إدارة الثروة وإمتلاكها وهي في اليمن مركزة في جغرافيا بعينها وفي طبقة اجتماعية وهو الأمر الذي قد يفضي إلى القول إن الصراع بين الجماعات والطوائف والكيانات والذي تشهده اليمن منذ مطلع الألفية الجديدة حتى الآن دال على التدهور المتنامي للواقع الاجتماعي وفي جوهره دال على تردي الوضع الاقتصادي وبنيته المتخلفة فالثروة والاستئثار بها من قبل حفنة رجال يسكنون القصور ويتباهون بالمنمنمات ويتطاولون في البنيان هي الباعث الحقيقي لحركة الانقسامات الاجتماعية والسياسية وحركة التمرد والانفصال . ولعلنا نشهد هذه الأيام ظهور النزعة العنصرية والطائفية في الخطاب الإعلامي لبعض الجماعات وهي تعبير حقيقي عن الصراع الطبقي الذي يرى في خيار الحرب ملاذا لا بد منه في الوصول إلى الثروة والسلطة ومن أجل بلوغ الغايات والمقاصد والأهداف التي يرمى إليها وأمام مثل ذلك المشهد قد تنشأ قوة ترى نفسها في دائرة التهميش تعمل على التمسك الشديد بالمورورث التاريخي والثقافي والديني ولديهم الاستعداد الكامل في خوض الحرب مهما كانت نتائجها كارثية شعورا وجوديا معادلا للفناء حيث إنها تشعر بالتهديد والطمس وبفناء الكيان الاجتماعي . ومن هنا يصبح القول بمعالجة المنظومة الاقتصادية على أسس واضحة من الشراكة الوطنية والعدالة الاجتماعية ضرورة وطنية ملحة فهي العامل الأكثر أهمية في عملية الاستقرار ومن ثم عملية الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة القائمة على مبادئ الحق والعدل وتكافؤ الفرص والشراكة.
هناك ثمة حقائق موضوعية علينا إدراكها وهي أن الذي يهيمن على واقعنا الاجتماعي في اليمن هو الاقتصاد المعاشي أي الإنتاج من أجل الحياة والقليل من أجل السوق والوقوف عند هذه الظاهرة وإخراجها من دائرة الاستهلاك إلى دائرة الإنتاج التي تحمل خاصية القيمة الزائدة تتطلب وعيا ومصفوفة من المعالجات في البناءات التنظيمية والهيكلية والتشريعية فالزراعة في اليمن تسيطر على مجمل البناءات في الهيكل الاقتصادي وبرغم ذلك فنحن نستورد الحبوب بأنواعها وقد كنا نحقق منها فائضا . مثل هذا التدهور لم تقف أمامه السياسات العامة للحكومات المتعاقبة فهي سياسات تعمل على تجديد إنتاج بنية التخلف في الهيكل الاقتصادي الوطني ومن هنا فنحن نرى أن الدعم الذي كانت الدولة تنفقه على المشتقات النفطية إسهاما منها في التقليل من تكاليف الإنتاج ثبت عبر التجارب والسنين أنه غير مجد فهو لم يعمل على الخروج من دائرة الاقتصاد المعاشي ولم يساهم في بنية الاقتصاد الوطني بأي قيمة زائدة .. بل نكاد نقول أن دعم المشتقات النفطية كان مناخا ملائما للفساد عمق حالة الانقسامات في البنى المختلفة وما أقدمت عليه الحكومة كان إجراءا صائبا وكنا نتمنى عليها أن تقوم به وهي تملك رؤية واضحة عن بدائله لكنها لم تفطن إلى الأثر ولا البدائل ومثل ذلك كان خطأ إجرائيا واضحا فنحن مثلا نقول إننا ندعم الزراعة باعتبارها تهيمن على مجمل الهيكل الاقتصادي وندرك أن الدعم لا يصل بل أصبح بيئة ملائمة الفساد.. إذن البديل يكون في الدعم المباشر للإنتاج وبحيث يرفد من خلال قيمته الزائدة ميزان المدفوعات بالعملة الأجنبية وذلك من خلال شراء المنتج بسعر تشجيعي ووفق شروط ومقاييس الجودة العالمية وبمثل ذلك نكون قد وظفنا الدعم في مساره الإنتاجي السليم وعملنا على التقليل من مخاطر الإنتاج الزراعي الذي يتجاوز مقاييس الجودة ويترك أثرا صحيا على المواطنين وفي السياق ذاته نضمن سوقا إقليميا وعربيا وعالميا لمنتجنا الزراعي والسمكي وقد نعمل على تحريك عجلة الاقتصاد المادي والخدمي وهي عملية ديناميكية ذات تواشيح ومثل ذلك قابل للتحقق من خلال تضافر المؤسسات القائمة كالمؤسسة الاقتصادية وبنك التسليف الزراعي وصندوق الدعم الزراعي ووزارة الزراعة والري ولا يمكن ذلك إلا بعد إعادة تجديد الأهداف والمنظومة التشريعية والأدوات الإجرائية وبشكل