زكاة الفطر بين المواطن والدولة والجمعيات

يكتبها: علي بارجاء

 - هذه هي الجمعة الثالثة في شهر رمضان, ولم تبق منه غير جمعة واحدة, ويرحل شهر الله الكريم الذي أوله رحمة, وأوسطه مغفرة, وآخرة عتق من النار, ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم
هذه هي الجمعة الثالثة في شهر رمضان, ولم تبق منه غير جمعة واحدة, ويرحل شهر الله الكريم الذي أوله رحمة, وأوسطه مغفرة, وآخرة عتق من النار, ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن شملتهم رحمته, وعمتهم مغفرته, والجعلنا من عتقائه من النار.
في الأسبوع الأخير من رمضان يبدأ المسلمون بإخراج زكاة الفطر (صاعا من تمر أو صاعا من شعير). ما يساوي أربعة أمداد من الحبوب مما اعتادوا عليه من طعامهم, كالأرز, أو القمح, أو الذرة أو غير ذلك, وتختلف كل بلد عن غيرها في هذا.
وعلى أن الدولة تخصم من رواتب الموظفين مبلغا من المال زكاة كل رمضان, إلا أن معظم الموظفين يحتاطون ــ ربما عدم ثقة في ذهاب تلك الأموال المخصومة لمستحقيها, ولأنها إن صدقت الدولة لمنحها للمستحقين فإنها لن تدفعها إليهم إلا بعد انقضاء رمضان, وإن يكن الموظف في حöل بعد دفعها من بقاء صومه معلقا بين الأرض والسماء لأن ذمته قد برأت بخصمها من راتبه.
إن خصم زكاة الفطر من رواتب الموظفين بدعة لم نكن نعرفها قبل الوحدة, حيث تركت الدولة في الجنوب موظفيها يختصون من يشاءون ممن يعرفون من الفقراء المستحقين لها من أقاربهم وجيرانهم إبقاء لروابط المودة والإحسان والعون بين الناس بعضهم لبعض, وليس نكرانا منها لهذه الفريضة الدينية, وإنما لأنها تعرف أن الناس أحرص على دفع زكاتهم, وإنها لن تعلمهم دينهم, أو تفرض عليهم دفعها لها, ولا أحسب أن مسلما يمكن أن يتهاون في إخراج زكاته, حتى تذكره الدولة بها, وتخصمها عنوة من مرتبه الزهيد الذي أصبح يتعرض لقرارات بخصم يوم حينا لفلسطين, وحينا لمتضرري الكوارث المختلفة التي تحدث هنا أو هناك, في الوقت الذي كثرت فيه الجمعيات الخيرية, وكثر المحسنون من الداخل والخارج الذين يبادرون بدفع الأموال الطائلة لمساعدة الفقراء والمحتاجين والمتضررين من الكوارث والحروب بواسطة تلك الجمعيات التي أصبح لا يعلم عددها إلا الله والراسخون في العلم.
وأخيرا, نجد بعض هذه الجمعيات الخيرية وقد حشرت أنفها حتى في توزيع زكاة الفطر, فزينت للناس أنها تقوم بجمع هذه الزكاة من الحبوب, وأنها ستنوب عنهم في إيصالها للمستحقين, ويدفع الناس لهذه الجمعيات زكاتهم, ولكن زكاتهم هذه لا تصل إلى من كانوا قد تعودوا أن يدفعوها لهم, بل تذهب إلى آخرين, وهذا يحدöث شرخا في العلاقات بين الأغنياء والفقراء, كان دفع الزكاة لهم مباشرة يبقي بينهم صلات المودة والرحمة قائمة لا يشوبها شائب.
لقد أصبح لكل جمعية خيرية ناسها الذين تقدم لهم العون على حساب فقراء كثر تعج بهم البلاد ممن لا تلتفت إليهم هذه الجمعيات, فقد أفسدت السياسة كثيرا من هذه الجمعيات, وجعلتها تحوöل الإحسان وعمل الخير إلى عمل سياسي تربح من ورائه الأنصار من هؤلاء الفقراء المغلوب على أمرهم, فيستغلونهم بهذه الطريقة المقيتة للوصول إلى السلطة, مقابل ما تقدمه لهم من مساعدات تجرح به كرامتهم وعزة نفوسهم, وتصادر حرياتهم.

قد يعجبك ايضا