أمانة الكلمة وخطورة التخاذل والتخذيل

  طاهر محمد الجنيد

 

 

عمدت معظم الأنظمة العربية والإسلامية إلى استخدام المرحلية في التعامل مع القضايا المصيرية بتدرج مقصود يهدف إلى إنهائها ومحوها من ذاكرتها من خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية والقُطرية وغيرها من الإشكاليات، وفي القضية الفلسطينية بدأت من قرارات مؤتمر الخرطوم (لا صلح – لا اعتراف- لا مفاوضات) وانتهت إلى عكس ذلك بعد أن تركت القضية وأعانت الإجرام اليهودي .

سخّرت كل وسائل تلك الأنظمة لتوجيه الشعوب إلى القضايا الهامشية وإثارة الاختلافات الفقهية بين المذاهب والخلافات الفكرية بين العلمانيين والإسلاميين، وأتيح المجال أمام كل توجهات الاختلاف بعد أن تم تغييب العلماء والدعاة المشهود لهم بالوسطية والاعتدال كمرحلة أولى، وصولا إلى تقديم من يشوهون الجهاد ووصف المجاهدين بالخروج عن الإسلام والتعاون مع قوى الهيمنة والإجرام العالمي في تصفيتهم تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

الإرهاب في سياسة الاستعمار والاستيطان (الصهيوني الصليبي) هو كل ما يتعارض مع مصالحهم إرهاب يجب القضاء عليه؛ لأنهم يملكون القوة، وهنا يوضح المفكر الأمريكي مؤلف كتاب (صراع الحضارات) صمويل هنجتون كيف استطاع الغرب إخضاع العالم قائلاً: (فاز الغرب ليس لتفوق أفكاره أو قيمه بل لتفوقه في تطبيق العنف المنظم، غالبا ما ينسى الغربيون هذه الحقيقة أما غيرهم فلا ينسوها)، حتى في التعبير عن الإجرام، يستخدمون العبارات اللطيفة، فمثلا لو حدثهم عن إلقاء القنابل الذرية على اليابان؛ سيقولون عنف مبرر وضرورة عسكرية ومع ذلك فقد اجتاحوا العراق بدعوى امتلاكه أسلحة دمار شامل وهم كاذبون، وأفغانستان بذريعة الإرهاب وأبادوا وشردوا الملايين وسيقولون عنف؛ وهو ذات الأمر في دعمهم لجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية في غزة.

الحرب الإجرامية التي تجري في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا وغيرها، تترافق مع حرب إجرامية بين المؤمنين والمنافقين، لكن في ميدان الكلمة وبيان الحق ونصرة المظلومين؛ يسعي المنافقون جاهدين إلى إعانة الإجرام والمجرمين  وتبرير ما يقومون به وتخذيل الأمة عن القيام بواجبها والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من ذلك فقال ((إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير))التوبة-39.

وهنا يؤكد قائد الثورة والمسيرة القرآنية السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله- (أن التخاذل خطير جدا، لأنه يرسخ في نفوس الشعوب والأمم الهزيمة النفسية والدناءة والانحطاط والمهانة والخنوع والخوف والاستسلام ويكبل الأمة بقيود المذلة؛ حتى الشعوب التي تعاني من الكبت يمكنها المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية).

الأنظمة سخّرت كل الإمكانيات في الدعاية المضادة؛ واستعانت بقوات الأمن والجيش في مواجهة كل تحرك لنصرة القضية الفلسطينية؛ وحركت المجاميع الفقهية وبعض المحسوبين على الدين الإسلامي لإصدار فتاوى تؤيد تعاون الأنظمة مع اليهود والنصارى وخذلان الإسلام والمسلمين.

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لأنه بمنأى عن سيطرة الأنظمة العربية والإسلامية، أصدر فتوى بوجوب الجهاد على أرض فلسطين وجوبا عينيا على المسلمين جميعا، لأنه جهاد دفع وتحرير وذلك لانعدام الكفاية التي لا تتحقق إلا بمجموع الأمة؛ وان فلسطين أرض وقف إسلامي من النهر إلى البحر، أرض المسلمين جميعا لا يجوز لأحد أن يفرط فيها أو يتنازل عنها وكذلك المسجد الأقصى المبارك؛ وواجب الجهاد على الحكام والمحكومين والجماعات والأفراد وكلما كانت القدرة على الفعل والتأثير أكبر كان الوجوب أشد تأكيدا وأعظم.

ويجب على القادة والزعماء إعلان النفير العام وتحريك الجيوش لرد العدوان وتحرير المقدسات؛ وإذا لم يفعلوا فأقل واجب دعم الأشقاء في فلسطين بكل الوسائل ويجب عليهم مكافحة الوجود الصهيوني على أرض فلسطين.

اتفاقيات التطبيع مُحرمة شرعا وباطلة ولا تلزم المسلمين في قليل ولا كثير ولا يجوز القبول بها ولا الاعتداد بأي أمان مبني عليها؛ وكل نظام يمنع من مساعدة الأشقاء على أرض فلسطين لا سمع له ولا طاعة وعلى المسلمين مقاومة هذه الأوضاع وبذل الجهد واستفراغ الطاقة في دعم المجاهدين فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

معظم الأنظمة العربية والإسلامية دعمت العدو الصهيوني مع أن فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أكدت أن سائر الأنظمة التي تمد العدو الصهيوني بالمال أو الغذاء أو الخدمات العسكرية أو الأمنية أو الإسناد السياسي أو الخطاب الإعلامي أو أي وجه من وجوه الدعم والمساندة، فقد وقعت في خيانة كبرى؛ ومن فعل ذلك بقصد تقوية العدو على المسلمين فقد وقع في موالاتهم، وهذه الفتوى تتوافق مع مواقف علماء اليمن ومع المواقف الرسمية والشعبية في دعم وإسناد قضايا الأمة العربية والإسلامية والإنسانية.

بيان العلماء لم يتوافق مع سياسات الأنظمة التي ساندت ودعمت الإجرام الصهيوني الصليبي ولازالت تدعمه ماليا واقتصاديا وسياسيا ومعنويا وإعلامياً وأمنيا، فقد قمعت المظاهرات بواسطة قوات الأمن والجيش وتم منع أي دعم لفلسطين، حتى الدعاء منع في المساجد والمنابر.

إيمان الأنظمة وقادتها بالله وخشيتهم ومراقبتهم له جعلتهم يستعينون بعلماء يصدرون الفتاوى التي تناسبهم وذلك خروجا من تحمل الإثم والوزر في دعم اليهود والنصارى، الداعية الكويتي د.محمد العوضي وصفهم بأن لديهم مشاعر صهيونية مكبوتة؛ طوفان الأقصى شخّصهم وأماط اللثام عنهم أنهم صهاينة يشمتون ويشتمون المسلمين، وأصبح الناس يعرفونهم ويصفونهم بأنهم في مواقفهم أحط من الممثلة الإباحية الفلانية والحاخام الذين انكروا الإجرام؛ لقد أصبحوا منبوذين على ألسنة الناس.

النفوذ والتغلغل اليهودي سيطر على القنوات الإعلامية وكل وسائل الإعلام ووصل إلى منابر المساجد والعلماء، لكن هناك من العلماء مازالوا يقولون كلمة الحق لا يخشون في الله لومة لائم منهم العلامة الشيخ محمد الحسن الددود الموريتاني الذي قال: إن قضية فلسطين ليست للمساومة أو العرض في المزاد العلني أو في الأسواق، بل قضية مقدسة نزل بها القرآن وقدسيتها باقية إلى يوم القيامة وغير قابلة للتفاوض ؛ومن ظن انه يمكنه بيعها أو التنازل عنها فهو جاهل بها وبواقع الأمة وبعقيدتها وكتابها؛ ومن المحرمات الشرعية الكبرى ومن الخيانة العظمى للأمة كلها من يفعل ذلك فهو من الغادرين الذين ينصب لهم لواء الغدر يوم القيامة”.

قضية فلسطين ليست حديثة، بل منذ الاستعمار البريطاني والفرنسي، لكن المُخذّلين يجعلون طوفان الأقصى محور القضية، البرفيسور .د.طارق السويدان أكد أن القضية الفلسطينية كانت في طور النسيان، لو لا طوفان الأقصى لماتت ونُسيت ولو لا حماس وما قامت به لا ثمت الأمة كلها، فجهاد الإجرام والاحتلال الصهيوني واجب شرعا؛ حماس هم شرف الأمة ورأس حربتها وهم قدوتنا فيما نريد أن نصل إليه من رضوان الله سبحانه وتعالى، فيجب دعم المقاومة بدون تردد في مواجهة الأعداء في الداخل والخارج، فقد اكرمنا الله بها وقادتها ومجاهدوها على رؤوسنا وهم النموذج الأعلى في التضحية والفداء.

ليست المرة الأولى التي يستعين الإجرام والاستعمار بالفتاوى الدينية، فالاستعمار الإيطالي استعان أثناء احتلاله ليبيا بالشيخ (محمد أبو الاسعاد)، الذي أفتى بوجوب الجهاد مع الاستعمار الإيطالي، لأنهم أولو الأمر ومحاربتهم عصيان لله تعالى؛ وأصدر فتوى بجواز الإفطار في رمضان للمجندين الليبيين العاملين مع الجيش الإيطالي ولم يقتصر الأمر على الفتوى لصالح الإجرام الإيطالي، بل انه عمل مع الإنجليز بعد خروجهم وأفتى لهم بذلك، وهو الأمر الذي يتكرر اليوم من خلال من يصفون أنفسهم بالدعاة والمشائخ والعلماء، لكنهم يؤيدون الإجرام الصهيوني الصليبي ويتهمون المقاومة ويخذلون الشعوب عن القيام بواجبها ويبررون للأنظمة كل الموبقات وكل ما حرمه الله ورسوله تحت ذريعة طاعة ولاة الأمر، مع أن الله سبحانه وتعالى قيد طاعتهم بطاعة الله ورسوله قال تعالى ((يأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) النساء-59. والرسول الأعظم صلّى الله عليه وآلة وسلم يقول ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)).

قد يعجبك ايضا