إلى الساسة: تعاملوا مع الجيش بمنطق جديد
فتحي الشرماني
لكل القوى السياسية أن تختلف وتتصارع وتتحالف ضد بعضها, لكن ليس لها أن تقحم المؤسسة العسكرية في خطابها المناكف, فهذا الخطاب يمعن في توزيع ولاءات متعددة على هذه المؤسسة, وتقسيمها كما يحلو له بين من هو ذراع لفلان وبين من هو ذراع لآخر, وفي هذا اعتداء صارخ على مؤسسة وطنية لها قائد تأتمر بأمره وتقف إلى جانبه في إنجاح مسؤولياته الوطنية, وهو الأخ عبدربه منصور هادي الرئيس المنتخب والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
علمتنا الأيام أن القوى السياسية استمرأت في إعلامها تشريح جسد الجيش في سياق احتجاجها على سلبية الآخر أو وطنيته, وهذه القوى لا ترى في ذلك عيبا مادامت ورقة الجيش ستحقق لها إثبات طهر الذات ورجس الآخر, والجميع يعلم أن واقع الجيش في الفترة الماضية كان يشجع على هذه الاستهانة بسمو الهدف الذي أنشأت من أجله المؤسسة العسكرية اليمنية وتطورت, ولكن اليوم وبعد أن تجاوزت المؤسسة العسكرية هذه المشكلة لم يعد هناك أدنى مبرر لأية قوة سياسية أن تستمر في تكريس منطق التفرقة بين وحدات القوات المسلحة, فليس في صالح الوطن هذا السلوك, وليس في صالح تقدم العملية السياسية.
نحن أمام مؤسسة عسكرية واحدة كانت في طلائع المؤسسات الوطنية التي تجسدت فيها الوحدة الوطنية, وهي اليوم تختلط فيها دماء اليمنيين وأحلامهم وآمالهم بتركيبتها الوطنية الجامعة, وقد انتهى زمن الانقسام في الولاءات بفضل الجهود الوطنية المخلصة التي عالجت أخطاء الماضي, ولذلك أصبح من العبث أن يوهم البعض أنفسهم بتكريس فرز المؤسسة العسكرية وتصنيفها إلى موالاة للنظام السابق وموالاة للحزب الفلاني أو للرجل الفلاني أو للبيت الفلاني, والجميع يعرف من يفرح بهذا المنطق لتمرير مخططاته التي تستهدف إضعاف المؤسسة العسكرية لأنه يدرك تمام الإدراك أنها تقف عقبة كؤودا وصخرة صلبة أمام مخططاته التي يريد تحويلها إلى شيء واقع.
سنقول لهؤلاء ما قاله رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي في أحد خطاباته الأخيرة, وهو أن الجمعة ليست الجمعة والخطبة ليست الخطبة, فقد قطع الوطن شوطا كبيرا في إعادة الاعتبار لمؤسسته العسكرية, ولا نزال بانتظار القادم من إجراءات الهيكلة التي تستكمل تصحيح أوضاع هذه المؤسسة سواء في إمكانياتها وقدراتها المادية, أو في جاهزيتها القتالية أو في أوضاع قواها البشرية.
عموما, علمتنا الأحداث الأخيرة أن هناك من يريد أن يطعن الجيش الوطني بسكين الولاءات نكاية ببعض الأحزاب, وكأن هذا الجيش كعكة يقسمها على من يريد وقتما يريد, وهذا للأسف خطاب كرسته كثير من وسائل الإعلام, على الرغم من أن هذه المجازفة لن تصيب الحزب الفلاني وحده, وإنما ستصيب الوطن برمته, ولذلك أعود إلى ما بدأت به, وهو ضرورة أن تعي كل القوى السياسية أن إقحام الجيش في الصراع السياسي, وهو بعيد عن ذلك في الواقع, خطر لا يكتفي باستهداف فلان أو جماعة أو حزب, وإنما يستهدف الوطن كله, وهذا ما وجدنا الأخ رئيس الجمهورية يؤكد عليه في أكثر من موقف.
فهل لكم أيها الساسة والإعلاميون أن تتعاملوا مع الجيش بمنطق جديد, وإلا فاتركوه وشأنه, فبعض خطاباتكم تكرس ما فيه هزيمة وإضعاف لمؤسسة قوية بشعبها وقيادتها المظفرة, وإن كنتم تدعون أنكم تقفون إلى جانبها.. إن المناكفات السياسية تجر كثيرا منكم إلى تفكيك بنية الجيش جريا على ما اعتدتم عليه في الماضي, والاستمرار في ذلك تدمير لوطننا .. فعليكم أن لا تقولوا إلا ما فيه خير لهذا الوطن وجيشه الذي هو صمام أمانه, وإلا فإن صمتكم أسلم لكم وخير للوطن كله.