استحقاقات الصداقة

مأرب الورد

 - ما شعورك وأنت تتلقى اتصالا هاتفيا من صديق بعد طول غياب عبر فيه عن شوقه الكبير لرؤيتك وسماع صوتك وغمرك بمشاعره الرقيقة نحوك, وكيف يكون حالك بعد رسالة جميلة
ما شعورك وأنت تتلقى اتصالا هاتفيا من صديق بعد طول غياب عبر فيه عن شوقه الكبير لرؤيتك وسماع صوتك وغمرك بمشاعره الرقيقة نحوك, وكيف يكون حالك بعد رسالة جميلة يبعثها عزيز لتلفونك ممزوجة بأعذب وأروع كلمات الحب¿
بالتأكيد أن اهتماما كهذا يبعث فيك روح المحبة ويحرك مشاعرك تجاه من بادلك إياها وجعلها فاتحة اللقاء وهديته قبل رؤيتك أو معرفة أخبارك إن كان بعيدا ولا يستطيع مقابلتك.
الصداقة تحتاج لثمن لاستمرارها وتعميقها بين أطرافها,ولا يمكن أن تدوم طويلا إذا كان الاهتمام والاحترام من طرف واحد ولابد أن يأتي يوم تقضي فيه أجلها وذلك من طبيعة الأمور التي تقود مقدماتها لنتائج كهذه.
أتحدث عن العلاقات الصادقة الخالية من المصلحة المجردة, ولا أعني العلاقات التي تبنى على أهداف مؤقتة سرعان ما تنتهي بمجرد تحقيق هذه الأهداف لهذه الطرف أو ذاك وهذا ما يتجلى بوضوح في العلاقات النفعية القائمة على هذا الأساس فقط.
هناك فرق بين تكون صديقا مع شخص لأجل مصلحة في نفسك وبين أن تكون صديقا له على الدوام, في الخير والشر, في الصحة والمرض, في الغنى والفقر, أن تكون صديقا له على أساس الاحترام المتبادل ومن هذا أن تخدمه متى احتاج إليك وأنت قادر على مساعدته وأن تكون معه حيث يريدك لا أن يفتقدك عند ضعفه وفقره ومرضه بل وفرحه ونجاحاته.
أي علاقة بحاجة لمراجعة وتفقد دائم حتى لا تفقد مبررات وجودها نتيجة إهمال متعمد أو تقصير, ولا سبيل للمحافظة عليها وتقويتها إلا بأن يفيء كل طرف بما عليه تجاه الآخر وأن يتبادلا التنازل والتضحية ويتشاركا بشجاعة في الاعتراف بالأخطاء والمسارعة بمعالجتها بالاعتذار وطلب الصفح والتسامح.
عندما لا تزور صديقك إلا وقت حاجتك إليه ولا تذكره إلا ساعة الكرب ولا تسبقه باتصال أو تبعث له برسالة لا تتوقع منه – إن لم يكن طيبا ومتسامحا ومخلصا للآخر – إلا التجاهل والمعاملة بالمثل وربما ينتهي الحال بكما للافتراق بعد طول وفاق.
من المهم أن تعرف أن الصداقة ليست عقد عمل كي تلوم من تشترك معه في هذه العلاقة الودية المبنية على الحب, لأنك في العمل تحاسب من تعمل لديه على إنجازك للمهام الموكلة إليك وهو ملزم وفق هذا أن يكافئك ويمنحك حقوقك.
غير أن هذا الأمر يختلف في الصداقة, إذ إن الموضوع يرتبط بالمشاعر والأحاسيس والعواطف وإذا لم يكن هناك تبادل مشترك واهتمام دائم ستذبل هذه العلاقة إلى أن تموت في حال لم تجد الرعاية والرغبة الصادقة في إبقائها على قيد الحياة.
أحيانا تكون مضطرا لالتماس الأعذار ومنح الفرص وتجاوز الأخطاء والتنازل عن حقوقك الموجبة وفق هذه العلاقة لأجل بقائها ولأجل حبك لصديقك ومعزتك له ورغبتك في عدم فراقه.
إن التسامح والصفح وتقليل العتاب مما يديم العلاقات لاسيما إذا كان من الطرفين وليس من طرف واحد حتى لا يصاب بالإحباط وفقدان الثقة جراء إخلاصه في الشراكة وتحمله لفاتورة تصرفات وسلوك صديقه دون ثمن مقابل.
كما تريد أن يعاملك الناس عاملهم بنفس الأسلوب, لا تطلب من أحدا موقفا نبيلا وأنت لم تقدم شيئا إن لم تكن مسيئا, ذلك أن من يؤمنون باتباع السيئة بالحسنة قليلون ويكادون يكونون أقلية في مجتمع يغلب عليه مبدأ المعاملة بالمثل على الأقل.
لا أسوأ من أن يصاب البعض بالتبلد وموت الضمير وغياب الإحساس تجاه الآخرين,لا يتعدى تفكير هؤلاء حدود أنفسهم مهما أسديت لهم معروفا أو صنعت لهم جميلا وكنت على الدوام نعم الصديق الصدوق والمخلص!
اسأل نفسك هل أوفيت بشروط الصداقة من حب وتضحية ووفاء واهتمام وهل سددت ما عليك من ديون متأخرة ناجمة عن إهمال متعمد وتجاهل غير مبرر ونكران مؤسف, إن أجبت على ذلك يمكنك أن تسأل غيرك وتعاتبهم على فاتورة حقوقك عليهم.
استحقاقات الصداقة تفرض عليك أن تسأل عن سر تدهور علاقتك بغيرك وأن لا تكتفي بذلك وإنما تتعداه إلى تقييم مستوى هذه العلاقة والبحث عن سبل تطويرها ومعالجة أسباب الفتور والقصور والإهمال.
 تعود أن تكون وفيا مخلصا محبا لخدمة غيرك مهما كان الأمر وستجد ثمار هذا السمو في التعامل في تغير مواقف وسلوك من تعاملت معهم ولن يضيع ما عملته هدرا, ذلك أن التعامل الراقي يؤثر في الآخرين بمن فيهم الجاحدون الذين يصحون متأخرين لكنهم في الأخير يؤنبهم المعروف.
الصداقة علاقة مشتركة ولا تديم وتزدهر بالحب إلا بدفع طرفيها استحقاقاتها التي قد تبدأ بسؤال الاهتمام ولا تنتهي عند حاجز التضحية.

قد يعجبك ايضا