اليمن وأزمات دول العالم الثالث
أ.د. عمر عثمان العمودي
تصطدم الدول الفتية والدولة النامية والمتحررة حديثا في مسيرتها وتطلعاتها نحو التنمية الشاملة والنهوض الجذري السريع بأوضاع مجتمعاتها المعيشية والتعليمية والثقافية – تصطدم- بجملة من المشكلات والأزمات التي تقف كحجر عثرة في طريق نهضتها وخططها التنموية وبرامجها الانشائية وبما يحول في غالب الأحوال دون تحقيق الأهداف والغايات المحدودة لها ويجعلها تراوح في مكانها لعدة سنين وربما لعدة عقود من الزمن .
وهذه الأزمات والمعضلات سبق أن عرفتها الدول المتقدمة الصناعية والغنية في فترات من تاريخها الحيث والمعاصر , ولكن الفارق بين الدول المتقدمة ودول العالم الثالث هو أن هذه الأخيرة لا تصطدم مسيرتها النهضوية والتنموية بأزمة أو مشكلة واحدة من هذه المشاكل بين الفينة والأخرى كما حدث في تاريخ وحياة الدول المتقدمة في مراحلها الانتقالية السابقة , بل إنها تواجه وتصطدم بهذه المشكلات مجتمعة وفي وقت واحد , ولعل هذا هو السبب الجوهري والرئيسي فيما تعانيه أكثر الدول النامية من عدم استقرار ومن اضطرابات في حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية , وفي فشل أو تعثر السياسات الحكومية تجاه محاولة احتواء هذه المعضلات وتجاوزها , وتحقيق الهدف النهائي للتنمية ممثلا في تقدم الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه .
وأبرز هذه المشكلات والأزمات تنحصر وتتدرج ضمن إطار التساؤلات الأتية :
– كيف يمكن أو يتأتى للدولة وللسياسة العامة أن تواجه التباينات الإقليمية والولاءات القبلية والسلالية والمذهبية والطائفية المتنوعة والمختلفة داخل حدودها ¿ وكيف تعمل على صهرها في بوتقة الوطن الواحد والموحد وفي اتجاه جمع هذه الولاءات والانتماءات الجزئية نحو الوطن الواحد وأهداف الوطن وغاياته الوحدوية العامة ¿
– كيف يمكن للسياسيات والخطط والبرامج التنموية الشاملة داخل الدولة أن تعم كل الأقاليم والمناطق على أساس من التوازن والعدل , ولكي لا تظهر التباينات والفوارق بين الريف والحضر وبين منطقة وأخرى , ولكن لا تجد القوى المتضررة من الوحدة والمعادية لها سواء من داخل الدولة ذاتها أو من خارجها مجالا للتذمر والتحول والتشكيك والتآمر المضاد ¿
– كيف يمكن للسياسات العامة المعبرة عن وحدة الدولة وأهدافها أن تتغلغل في صفوف المواطنين في الحضر والريف وتعمل من أجل مشاركتهم في شؤون بلادهم السياسية والإدارية , وكسب تأييدهم ومساندتهم لها , وبالتالي يتقبل المواطن وهو راض عن هذه السياسات , وينظر للنظام السياسي ولسياسته العامة على أنها تعبر عنه وعن تطلعاته وعلى أنها الممثل الوحيد لهويته وكيانه السياسي , ويخضع بالتالي لها حتى لو اختلف معها ¿
– هل هناك مؤسسات وأجهزة وأدوات سياسية وثقافية وإعلامية فعالة وعصرية وقادرة على التغلغل في مختلف نواحي الكيان الاجتماعي والاقتصادي للبلاد بما يحقق وجودها الفاعل والفعال وفي كل شبر من أنحاء البلاد والدولة , وأن تحرص على كسب التأييد العام والتعبئة العامة للمواطنين لإنجاح الخطط والبرامج التنموية الشاملة , وقطع الطريق على عناصر وقوى الحقد والتآمر بكل أنواعه ومصادره ¿
واليمن لا تأتي في الواقع في مقدمة هذه الدول فقط والتي يتعين عليها أن تواجه هذه التحديات وهذه المشاكل وتعمل على احتوائها وتجاوزها , بل إنها مطالبة بمضاعفة الجهد والجهود وعبر عدة عقود من السنين وذلك بسبب تواضع مواردها وامكانياتها الراهنة مقارنة بما يواجهها من تحديات ومعضلات وخاصة ما يرتبط ويتعلق بحداثة وحدتها السياسية وحداثة تحررها من العهود البائدة ممثلة في الاستعمار وسياساته السلبية في الأراضي اليمنية التي خضعت لتحكمه سنينا طويلة , وبما ورثته البلاد والأراضي اليمنية من تركة مثقلة بالأعباء عن الحكم الإمامي المتخلف والمناهض للنهضة والتقدم والانفتاح على منجزات الحضارة المعاصرة في مضمار الديمقراطية وحقوق الإنسان وفي مجال العلم والتكنولوجيا والتقنيات الفنية والإدارية المتطورة .
ولتبسيط الموضوع وبعيدا عن الدخول في شرح وظائف الدولة المعاصرة أو التعرض لهذه المشكلات والأزمات التي يحتاج الحديث عن كل منها إلى مقالة مستقلة فإننا نكتفي بإيراد بعض المؤشرات والنقاط المهمة وفي مقدمتها ما يلي :
1 – إن الدولة أي دولة ليست في حقيقتها سوى تغيير قانوني عن الجماعة , ويمثلها أي الدولة عملاالحكومة وسياستها العامة , وهي أداتها الرئيسية التي تقود الجماعة نحو عقيدتها السياسية ومبادئها العامة وقيمها ومثلها العليا .
2 – إن العناصر المتفاعلة في العملية السياسية أي في حركية النظام السياسي وهو يعمل ويصنع السياسة العامة والقرارات السياسية المحققة