الإيمان بالقضاء والقدر
رفيق سليمان ناصف الشناوي
الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإسلام فلا يتم إيمان العبد حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وقد ضلت القدرية في هذا الباب فأنكروا القدر وقالوا إن الأمر أنف بمعنى أن الله لا يعلم بالشيء إلا بعد وقوعه أما أهل السنة فيقولون إن الله على كل شيء قدير وقد قدر الله كل شيء قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وإن الله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما سيكون لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء, يقول تعالى (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) لقد اشتملت هذه الآية على عدة صفات لله عز وجل كصفة العلم وصفة القدرة فلا يكون غالبا على أمره إلا إذا كان بما يؤول إليه الحال ولا يكون غالبا على أمره إلا إذا كان قادرا على إمضاء ما يريد هذا سر القضاء والقدر لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم في هذا الباب نسيجا وحدهم ليس لهم نظير لاستقامة فهمهم واستقامة عربتهم, ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ندفن جنازة في بقيع الغرقد وكان بيده عود فجعل ينكت في الأرض بذلك العود ثم قال:(ما منكم من أحد, و ما من نفس منفوسة إلا كتب مقعدها من الجنة ومقعدها من النار فقال سراقة بن مالك: يا رسول الله أهذا أمر مضى وانقضى أم لأمر مستأنف¿ قال: بل لأمر مضى) وفي الرواية الأخرى (قالوا : يا رسول الله ففيم العمل طالما أن كل إنسان قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قبل أن يخلق الله السموات والأرض بخمسين ألف سنة وقدر الله مقادير الخلائق وجرى القلم بما كان وما يكون إلى قيام الساعة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وقدر الله مقادير الخلائق ففيم العمل¿ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له فأما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فإنه ييسر لعمل أهل الشقاوة) ثم تلا قوله تبارك وتعالى “فأما من أعطى وأتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى” قال سراقة” فما أجدني أحرص على العمل مني الآن” فهذا هو استقامة الفهم قال (ما أجد حافزا لي على الجد في العمل وطلب رضوان الله مثل الآن).
إن الإيمان بالقضاء والقدر لا يكون إلا مجملا لأن حكمة الله لا تدركها العقول, فهذا موسى عليه السلام مع كونه نبيا مرسلا من أولى العزم وهو أكثر الأنبياء ذكرا في القرآن المجيد عندما أتبع الخضر فقتل الغلام أنكر عليه فقال تعالى “قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا” لكن الله عز وجل علم الخضر هذه الأمور التي حجبها عن موسى وهو العليم الذي يعلم مآل الأحوال وما تصير إليه قضى بأنه إن عاش هذا الغلام سيكون كافرا وحينها سيرهق أبويه طغيانا وكفرا.
من الذي يمكن أن يطلع على هذه النتيجة¿ من الذي يقول إن فلانا سيختم له بشقاوة أو بسعادة كون الإنسان لا يملك علم معرفة المآل لا يجوز له الاعتراض بظهور الحال فإن العبرة بالمآل كما قال صلى الله عليه وسلم “إنما الأعمال بالخواتيم” فلو صام الإنسان يوما طويلا وقبل المغرب بوقت قليل شرب الماء لبطل صومه وكذلك قبل أن يسلم من صلاته لو أحدث لبطلت صلاته.
إذا إنما الأعمال بالخواتيم والخاتمة محجوبة ومن مذهب أهل السنة والجماعة أن لا نشهد لمعين بجنة ولا نار فلا نقول فلان من أهل النار حتى لو كان مشركا أو يهوديا أو نصرانيا إلا أن تذكر النتيجة مقيدة كأن يقول فلان النصراني من أهل النار إن مات على ذلك, ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله تعالى واستدل بقوله تعالى “إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار” هذا هو الشرط لاحتمال أن تتدارك رحمة الله عز وجل هذا النصراني فيسلم قبل أن يموت, إذا الذي ظهر كفره بجلاء لا نعرف خاتمته فإذا كان العبد يجهل الخاتمة فكيف له أن يحكم وعلمه ناقص, ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا” أي خلقه الله كافرا والخضر لو لم يعلمه الله عز وجل لما علم الحقيقة بل لم يعلمها موسى الكليم الذي هو من أولى العزم.
فلذلك لا ينبغي للعبد أن يحكم على المآل بظهور الحال وفي النهاية نقول لا يتم توحيد العبد إلا إذا أمن بالقضاء والقدر وعلم أن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى وأن على العبد أن يعمل في الدنيا ويجتهد في طاعة الله تعالى لأن من استقام على طاعة الله تعالى هداه الله إلى حسن الخاتمة قال تعالى “والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.
عضو البعثة الأزهرية باليمن