نزيف فائض عن الحاجة!!
جميل مفرح
* مع دخول شهر رمضان المبارك كان هناك اعتقادات متفائلة جدا بتراجع حدة المواجهات المتقاتلة هنا أو هناك في مختلف أجزاء الوطن وذلك احترما وإجلالا لقدسية هذا الشهر الكريم.. وكان هناك آمال أن تبرز في هذا التوقيت بالذات أطراف خيöرة تعمل على إيقاف النزيف الجاري في الدماء اليمنية والحد من اتساع هوات التجافي والتعادي والتناحر الحاصل بين مختلف القوى سياسية كانت أم عسكرية أم مذهبية أو أيا كان شكلها وصفتها أو هويتها..
* غير أن ما هو حادث ويجري اليوم قد جاء مخيبا بصورة محزنة لكل التوقعات ومثبطا لكل التفاؤلات التي خامرت وراودت الأذهان على اعتبار أن اليمنيين هم أكثر العرب والمسلمين تسامحا وتآخيا وتعاضدا وعفوا!! لا ندري ما الذي يحدث ولا من يتعمد بصلف وقصدية مرعبين نزع تلك الصفات الحميدة والأخلاق الإيجابية التي تحلى ويتحلى بها اليمنيون بصفة خاصة!! ولا ندري من هو صاحب المصلحة في اشتعال الفتن وتعميم الفوضى داخل البلاد !! وما نوع وشكل تلك المصلحة التي تهدف وترمي ليس إلى نزع وانتزاع الصفات الحميدة من الإنسان اليمني وحسب وإنما أيضا إلى تدمير وطن لم يكن يوما بحاجة إلى ما يحدث فيه من تقلبات واعتراكات مخجلة ومحزنة في ذات الوقت !!
* إن ما يحدث في الوطن اليوم من ابتكار للمشكلات وامتطاء للشر وتفنن في تشكيل واختراع الأزمات المتتالية لم يكن ولن يكون يوما مبعث رضا أو مشجب استحسان بأي صورة من الصور وبأي شكل من الأشكال لن يأتي في التاريخ من يأسره أو يأسر استحسانه وإعجابه سفك الدماء والاقتتال والتناحر وإشعال الأزمات السياسية والفكرية والمذهبية ولن يسجل التاريخ فاصلة إيجابية واحدة مما يحدث الآن إطلاقا !! والجميع يعرف ذلك ومؤمن به إيمانا مطلقا مع ذلك لا ندري كيف نجد أنفسنا مغموسين أو كيف نغمس أنفسنا ونلطخ حضورنا ووجودنا بالمشاركة في إنتاج واقع كهذا الذي نعيشه ¿! أو على الأقل كيف نجد أنفسنا مقيدين بالرضا عما جرى ويجري إن لم يكن بالفعل المشارك المساهم فبالسكوت والاطلاع السلبي التام على المجريات والمتغيرات ¿!
* من ناحية أخرى لا أدري لماذا لا نتهم أنفسنا ونحن جزء لا يتجزأ من هذا الواقع بما يحدث له وفيه من تقلبات وجوه أقل ما يمكن أن تستحقه من صفات أنها بشعة وسيئة وليس فيها ما يشرفنا أو يشرف تاريخنا إطلاقا.. لماذا يكتفي كل منا بإلقاء التهم على الآخر ¿! ويظل كل يتصيد على غريمه الأخطاء والزلات بينما كل منا له من الزلات والخطايا ما يفوق الآخر بمراحل ومستويات ¿!
لماذا لا نبدأ بانتقاد أنفسنا وتطهير الخطايا الكامنة بداخلنا أولا ليتسنى لنا بالتالي انتقاد الآخر واتهامه إذا ما جاز وحق الاتهام وتفنيد خطاياه إذا ما كان له قدر من الخطايا ¿! مع إيماني الكبير جدا لو أننا لو فعلنا ذلك لانحصرت مساحة الأخطاء والخطايا التي نرتكبها بحقنا وحق سوانا من إخوتنا داخل إطار هذا الوطن الموبوء بنا !¿
* عموما.. ما أريد أن أصل إليه ويدركه القارئ الكريم أن لا أحد ممن عاش ويعيش هذه الفترة من تاريخ وطننا منزه وبريء مما يحدث في الوطن من سلبيات ومساوئ مبتكرة لم تكن موجودة ولم يكن لها أن توجد في غير زمننا الذي حق الحق ولا مجال للهرب من وصفة بالسيئ أو الأسوأ من مراحل عمر هذا الوطن في التاريخ.. نعم إننا كلنا مسؤولون مسئولية لا يبرئنا منها مبرر أو تنجينا من تبعاتها علة من العلل.. خصوصا ونحن ننظر من قرب ما يتوالد ويتنامى من فتن ومشكلات نحن أكثر البشر غنى عنها وعن تبعاتها.
إن اليمنيين عموما دولة وسياسيين كتابا ومفكريين وشعبا أيضا لا يغيب عن متناول أيديهم خلاص وتخليص الوطن مما يحدث الآن من انهيار نظامي وسياسي واقتصادي ينبئ بثورات مستقبلية منتظرة بين اللحظة والأخرى.. بل ومن انهيار أخلاقي لن يخلف وراءنا سوى خيط من دخان ذي رائحة كريهة وخانقة سيتقزز منها التاريخ.. ونحن أدرى بذلك أكثر من سوانا!!
في الأخير.. أعتقد أنه ما يزال ثمة خيرون بيننا من أبناء هذا الوطن وهم مسؤولون ذات المسؤولية التي تقع على كل فرد من أبناء اليمن وإنه قد حان الوقت وحانت الحاجة بشكل ملح لظهور أولئك الخيرين ليقوموا بدورهم تجاه هذا الوطن.. ولينقذونا من لعنات التاريخ التي ستظل تلاحقنا جيلا بعد جيل.. حان الوقت أو فلنقل ما يزال ثمة وقت أو فرصة ريما أخيرة ليظهر أولئك الخيرون ويوقفوا عجلات هذه الآلة البشعة التي تنحدر بنا نحو سحيق مجهول وعار لا ولن نبرؤ منه ما امتد الزمان وتعاقب التاريخ فهل لدى هؤلاء الخيرين نية حقيقية لانتشالنا وانتزاعنا من هذا المهوى الخطير ا