مؤشر المستقبل يصنعه الشباب (1 – 2)
محمدالعريقي
كيف ترى المستقبل¿ سؤال يردده الكثير من الناس – وخاصة الكبار في السن – وبعد أخذ ورد , الكل يعقب بعبارة : الله يعين شبابنا, فالمستقبل أمامهم غير واضح, وهنا يبرز التساؤل التالي : من المسؤول عن الغموض والقلق على مستقبل الشباب¿
الإجابة لاشك أن المسؤول بالدرجة الأولى نحن الكبار أو من يطلق عليهم جيل الحاضر, وثانيا كل شاب هو الآخر مسؤول عن صناعة مستقبله.
نحن الآن نستنزف إمكانيات وموارد البلاد بأنانية مفرطة وخاصة المياه, دون أي اعتبار لتنمية مستدامة تستفيد منها الأجيال القادمة, ومن جانب آخر أغفلنا أهمية تأسيس قواعد العمل الأخلاقي والقيم المحفزة للعمل والإنتاج والتنافس الخلاق, ولم نقو دعائم العلم والبناء الذهني وهي ركائز أساسية للنهوض بالمجتمعات الحية والفاعلة.
بل إن عيوبنا وأخطاءنا نلبسها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة شبابنا, ونقول بعد ذلك الله يعينهم على المستقبل, نحن بذلك نعظم من المشاكل ونزيد من التعقيدات أمام أكبر شريحة اجتماعية في اليمن, وهي شريحة الشباب التي تمثل أكثر من 50 % من سكان البلاد, ومع ذلك فمنظومة العمل الاجتماعي (أسرة, مؤسسات ثقافية وتعليمية ومهنية, منظمات مجتمع مدني, قطع خاص …. الخ) الجميع مقصرون في أدوارهم المطلوبة في الإعداد والتهيئة المناسبة لانطلاقة الشباب نحو المستقبل الذي تسود فيه كل مقومات الكرامة, والحرية, والبناء والتنمية.
إذا كنت حريصا على تربية أبنائك في المنزل فإن جهودك تسير أدراج الرياح, فإنهم بالنهاية سيكونون ضحية شارع غير منضبط, فيه من الشباب الطائش والنزق, وحتى في المدارس هناك من الطلاب من يتطاول على أساتذتهم, فمثل هؤلاء ينتجون بيئة للفوضى والعنف والاستهتار, وفوق ذلك كله هناك ما هو أسوأ, وذلك عندما نشاهد أغلب شبابنا حتى بعض أطفالنا يقضون وقتا طويلا في مضغ القات, وأحيانا بوجود كبار يشاطرهم تلك الجلسات دون أي اعتبار لهم, ويرون بأم أعينهم تلك الأجسام النحيفة والهزيلة والمريضة, والعقول الجوفاء, ويسمعون الألفاظ القبيحة, والتصرفات المؤذية, في ظل غياب القيادة الواعية التي تقود الشباب وتفتح لهم مجالات العلم والتدريب والثقافة, ناهيك عن الدور السلبي لبعض وسائل الإعلام التي تحرض على الكراهية.
إذا, نحن كآباء وكمؤسسات رسمية وغير رسمية, معنيين بدرجة أساسية في تلافي الانهيار ومواجهة الواقع وتشريحه مهما كان مؤلما, وتلمس الحلول التي تمنح الشباب الثقة والاقتدار والمضي في بناء حاضره ومستقبله.
وفي هذا الإطار لا بد أن تحشد الجهود وتنظم, وبداية الاستفاقة الحقيقية من الأسرة ثم هناك واجبات على الدولة, وخاصة في مواجهة الجهل والفقر والبطالة والفساد واستنزاف الموارد, فهذه الأمور تمثل اخطر التحديات التي تواجه مستقبل الشباب .
ولا شك أن مداخل الحلول لهذه المعضلات تبدأ بإصلاح وتطوير العملية التربوية والتعليمية بكل أبعادها, وفعلا نحن بحاجة إلى ترجمة مفاهيم التربية قبل التعليم, فهناك تراجع كبير في قيم التربية, فالمدرسة ابتعدت عن هذا الدور والنتيجة هذا الانفلات الذي نعيشه, ويصبح التحصيل العلمي ليس له معنى بدون تأطيره بقيم التربية.
والخطوة الثانية تعزيز الانتماء الوطني والثقافي, فهناك حالة اغتراب يعيشها الشباب, فنلاحظ اهتماما غير عادي بثقافة العالم الافتراضي (إنترنت– التلفونات الذكية – شبكة التواصل الاجتماعي… إلخ) على حساب التنمية الذهنية, والتنافس الإبداعي.
والخطوة الثالثة العمل على فتح قنوات معرفية ورياضية, ومهنية, وترفيهية بناءة تبعد الشباب عن التعصبات, وتحصنهم من الأفكار الضالة المضرة بأمن المجتمع.
أما البطالة الظاهرة والمقنعة, فهي رأس الحربة في كل ما يحدث من اختلالات في القيم وما يتعرض له المجتمع من مخاطر, فبسبب الفراغ القاتل يلجأ الشاب للسلوكيات الهدامة والمدمرة, ولذلك فإن مواجهة هذه الظاهرة تقتضي شراكة حقيقية بمزيد من العلم والتدريب والاستثمار, أي وضع الخطط السليمة لتنمية حقيقية, على مستوى الحضر والريف, ولابد من إعادة النظر في مجمل السياسات والمشاريع الراهنة وترتيب الأولويات والسعي الجاد للارتقاء في سبيل المشاريع التنموية التي تكفل لها النهوض بخطى واثقة والتصدي لكل مظاهر الفساد والإفساد.
إن مثل هذا الطرح لا يعني التشاؤم بمستقبل شبابنا, بل هو تشريح لواقع فيه الكثير من السلبيات, ولكن ليس من المستحيل مداهمتها والقضاء عليها, فمن خلال قدرات وطاقات الشباب أنفسهم يستطيعون تجاوز كل ذلك.
فهناك بوادر وكوادر شبابية تفتخر بها, وتبشر بأن مؤشرات المستقبل المشرق سيصنعه مثل هؤلاء النواب