الحرب العوان للفنون
عبدالرحمن مراد

مقالة
يبدو من الظواهر العامة أن الصراع السياسي سيغير مساره من المواجهة المباشرة إلى غير المباشرة وبدأت تبرز الفنون في الآونة الأخيرة كمطية “تحمل هم الصراع السياسي بين الأطراف والتيارات المختلفة.
اللجوء إلى الفنون ظاهرة محمودة إن كان القصد منها الوظيفة الأساسية لها وهي الوحدة الإنسانية أو الوحدة الوطنية أما إذا كان مسارها تعزيز صراع الطبقات وتوسيع الهوة في الفروق الاجتماعية والنيل من الجماعات والأفراد بغرض الوصول إلى حالات الإشباع والتعويض النفسي للهزائم السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الأخلاقية فالقضية قد تصبح خطرا يتهدد النسيج الاجتماعي ويجب الوقوف أمام ظاهرة الحرب العوان للفنون بالقدر اللازم من المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية الوطنية ذلك لأن خطرها لا يقل شأنا عن حالات الدمار والموت وتعطيل مقدرات الحياة للحرب المباشرة التي تحدث في بقاع شتى من اليمنبل يمكن القول أن امتداد تأثير الفنون في المستقبل قد يهدد المستقبل بالصراع والدمار في حين يكون أثر الحرب محصورا بالمكان وبالزمان ولا يكاد يتجاوزه إلا في حالات نادرة.
حاجتنا إلى الفنون المختلفة حاجة ماسة وضرورية من أجل تعزيز روح الانتماء الوطني وتعزيز الوحدة الإنسانية والوطنية المشتركة ومن أجل الاشتغال على روح المشروع وروح النهضة وبحيث تتكامل القوى الانفعالية والذهنية والعضلية للوصول إلى الغايات الوطنية المثلى من حيث البناء والهدم وما يحدث في واقعنا الثقافي والفني والإعلامي ظواهر تشكل إنعكاسا إنفعاليا للحالة السياسية الوطنية والصمت أمام الآثار السلبية لها لا يمكن أن يكون جمالا كما يذهب إلى ذلك نزار قباني بل هو القبح بعينه والنكوص بعينه والتردي إلى الهاوية نفسها وغياب الأصوات الناقدة والمناهضة لتلك الظواهر تعبير عن وجود أزمة ثقافية طاحنة في اليمن وهي بالضرورة نتاج أزمة سياسية طاحنة.
ما يمكن التعويل عليه هو استنهاض ضمير المثقف الفرد الذي أصبحت حاجتنا الوطنية إليه تفرضها الظواهر المتعددة في حياتنا ولا عذر له بعد أن أصبح الكون مفتوحا على مصراعيه وتعددت وسائل الاتصال والتواصل أن يقف أمام تلك الظواهر بذهن الناقد الحصيف لإظهار زيف ما ينشر وبيان خطورة المضمون الايديولوجي وإظهار أغراضه المقصودة والأثر المترتب عليها فالمجتمع الذي يعيش صراع الطبقات يتطلب أعمالا فنية تعمل على ترميم ما تصدع في بناءاته وتعمل على ردم الهوة في الفروق الاجتماعية من أجل تحقيق الانسجام والتناغم لا تعزيز قيم ومقومات وعناصر الصراع فالذي حدث في عامين في اليمن لا يمكن معالجته في عامين مماثلين بل يحتاج عقدا من الزمان إن لم يكن عقودا فالهدم كما هي طبيعته سهلة وأدواته ميسرة لكن البناء هو العقبة الكأداء التي قد تستعصي على المريدين.
مشكلتنا في اليمن أن المثقف والمفكر مهملان وإهمال المثقف والمفكر وعدم الاعتراف بقيمتهما ومعناهما يبعث شعورا بعدم جدوى الوقوف أمام القضايا الكبيرة والهامة وقد يجدا نفسيهما مشغولين بالقضايا الهشة وهما بذلك ينسحبان من دائرة المسؤولية الأخلاقية والوطنية ويعيشان عزلة يساهم النظام والسياسة العامة للدولة في تمكينها من تعطيل الدور والفاعلية للمثقف الفرد والمفكر النهضوي التنويري بدليل الوصول إلى حال من الغياب الكلي لهما فنحن لا نكاد نجد لهما أثرا أو نسمع لهما ركزا في تفاعلات الواقع وصراعاته وتموجاته.
وما نؤكد عليه أن حالة التعدد الثقافي وحالة تعدد التعبيرات السياسية في اليمن يحتاج إلى حركة نقدية واعية لبيان ما يعتور الواقع وأثر الأحداث والفنون والخطابات ومعابئها الفنية والذهنية على ذلك الواقع فالرقابة على الفنون لم تعد من أدوات العصر بل كانت من أدوات الأنظمة الشمولية لذلك فالقول بضرورة وجود حركة نقدية ذات تأثير وأثر وذات قيمة ومعنى أصبح من الأمور البديهية التي يجب أن تدركها الأنظمة وتعمل السياسات العامة للدولة على تنميتها وتنمية قدراتها ومهاراتها حتى تتمكن من الصنعة النقدية الواعية والناهضة وبما يحقق لليمن حالة انتقالية آمنة ومستقرة ويمكنها من البزوغ ومن النهوض في عالم أصبح كل شيء فيه مصنوعا.
فالحياة السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية تشبه الأرض تماما إذا تعهدتها بالرعاية والتشذيب وأحطتها بأسباب النمو والاستمرار آتت أكلها وثمرتها كأطيب ما يكون وإذا أهملتها وصرفت عنايتك واهتمامك عنها لا تنبت إلا شوكا وغسلينا وحاجة الحياة السياسية والثقافية كحاجة الأرض إلى التشذيب والرعاية من أجل الوصول إلى خير الثمار وخير النتائج.
لقد ذهب المجتمع المدني في اليمن إلى الحرب العوان