التصوف والمسؤولية

عارف الدوش


 - من الصعب علينا  التصور أن أهل الله " الصوفية " كانوا بعيدين عن الصراع الدائر حول المسؤولية وأساسها سواء لدى الفلاسفة أو المتكلمين أو عند الأصوليين والفقهاء.
عارف الدوش –

من الصعب علينا التصور أن أهل الله ” الصوفية ” كانوا بعيدين عن الصراع الدائر حول المسؤولية وأساسها سواء لدى الفلاسفة أو المتكلمين أو عند الأصوليين والفقهاء. خاصة وأن من بين أهل الله ” الصوفية ” من بلغ في الفلسفة مرتبة مرموقة أو كان عالما كلاميا له وزن ورأي أو فقيها مجتهدا يشار إليه بالبنان.
والمسؤولية لها عند اهل الله ” الصوفية” معنى خاص غير الذي ألفناه عند غيرهم وليس ذلك بغريب فقد استقل الصوفية بمصطلحاتهم ومقاماتهم ولا يمكن فهم أفكارهم الفهم السليم ولا تصويرها التصوير الأمين إلا إذا عرفنا المقصود من مصطلحاتهم وقد اهتموا بها فشرحوا معانيها واهتم بها الباحثون في التراث الصوفي فكانت لهم معاجمهم الخاصة التي تعنى بالكلمة ومفهومها وتطوراتها الأدائية والنفسية عند الصوفي .
وهناك مواقف خاطئة جعلت الفكر الصوفي جبريا يرفع المسؤولية عن السالكين وهو موقف قال به كثير من خصوم الصوفية بل ودارسيها واستراح إليه بعض دعاة الصوفية ممن خرجوا على جوهرها وظلوا مع الأسف يحسبون عليها وقد اتهم الصوفية ـ خطأ ـ بأنهم يسقطون المسؤولية وهو موقف لو ثبت عليهم لابتعد بهم عن منطقة الإيمان.
تبدأ المسؤولية عند أهل الله ” الصوفية ” من نزعة إيجابية تحدثت عنها المدرسة الصوفية الشاذلية من خلال مبدأ محاسبة النفس وهو قمة الشعور بالمسؤولية تجاه الإنسان يبدأ من الداخل بمحاسبة نفسه ومحاسبة النفس عند ابن عطاء الله السكندري تلميذ أبو الحسن الشاذلي وعند غيره من الصوفية مبدأ إيجابي هام في التغيير الاجتماعي. ومحاسبة النفس عند أهل الله ” الصوفية ” بداية الطريق بحيث إذا لم يصح هذا المبدأ لم يصح التصوف كله. ولو لم يكن في التصوف الإسلامي إلا هذا المبدأ لكان من ألزم ما يكون لمجتمعنا في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الأمة .
ومحاسبة النفس ومخالفة أهوائها هو ما يدفع الإنسان دفعا إلى العمل الإيجابي والإخلاص فيه مع تقدير كامل للمسؤولية ولو حاسب كل واحد منا نفسه عما قدمه لمجتمعه لكان هذا كفيلا بتصحيح كثير من الأوضاع الخاطئة وما أجمل ما يقوله ابن عطاء الله السكندري في معنى محاسبة النفس: ” أصúل كلö معúصöية وغفúلة وشهúوة الرöضا عنö النفúسö وأصúل كلö طاعة ويقظة وعöفة عدم الرöضا مöنúك عنúها ” .
وأعلام أهل الله “الصوفية” يصرحون بأن الشريعة هي بداية الطريق الصوفي وغايته فهذا ” الجنيد البغدادي ” وهو من شيوخ الصوفية ويضعه السلمي في مقدمة الطبقة الثانية ـ يقول لرجل ذكر المعرفة فقال ” أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقوى إلى الله تعالى” فقال “الجنيد” إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال وهذه عندي عظيمة” وهذا هو ” الفضيل بن عياض” يقول في قول الله تعالى في سورة الأنبياء ” إöن فöي هذا لبلاغا لöقوúم عابöدöين” إنهم هم الذين يحافظون على الصلوات الخمس .ويرفض الحارث المحاسبي أن يقيم الصوفي ورعه بترك الواجب فيقول: ” لا ينبغي أن يطلب العبد الورع لتضييع الواجب” وقد قال سهل بن عبد الله التستري في معنى التصوف إنه “انقياد الظاهر للشرع مع موافقة الباطن لمراقبة الحق” .
فأهل الله ” الصوفية ” لم يسقطوا المسؤولية ولكنهم رأوا حقيقتها في ترك الملذات والتوجه نحو الذات وهم لم ” ينظروا إلى قضية المسؤولية من نفس زاوية علماء الكلام ولهذا لم يجدوا غضاضة في أن يكون كل شيء لله أن يكون للإنسان جزء من فعله يتحمل به المسؤولية ذلك أن الفعل يمكن أن يسند إلى الله وإلى الإنسان باعتبارين علما بأنهم يفهمون أن إرادة الإنسان لا وزن لها. إذا قورنت بالإرادة الإلهية ويرون أن إثبات قدرة الإنسان لا تتعارض مع قدرة الله ولا ينقص منها إذا لا يمنع أن تكون من قدرة الله أن يخلق للإنسان قدرة واستطاعة بهما يتحمل المسئولية”
والتصوف الكامل عند المدرسة الشاذلية هو ذلك النوع من التصوف الذي يجمع بين حياة التعبد وحياة المجتمع ويرتبط كل الارتباط بشريعة الإسلام ويوجه القلوب والعقول معا إلى حياة أفضل واستقرار أكمل وقد كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي ينهر المريد المتعطل وهو نفسه مارس العمل وكان يلبس اجمل الثياب ويأكل افضل الطعام ولديه مزارع
وخلاصة القول إن أهل الله “الصوفية” لم يسقطوا المسؤولية عن الإنسان ولم يهدموا التكاليف الشرعية وقد قال “أبو سعيد الخراز” وهو من اعلام أهل الله ” الصوفية ” ” كل باطن يخالف ظاهرا فهو باطل” وصرح “السري السقطي” بأن المسؤولية قائمة وأن شرطها ال

قد يعجبك ايضا