إنهم طيور أبابيل بشرية
يكتبها: علي أحمد بارجاء
سلط الله على أصحاب الفيل طيورا ترميهم بحجارة من سجيل, فصاروا كعصف مأكول. ذلكم هم جيش أبرهة الحبشي الذي جاء قادما إلى مكة من اليمن ليهدم الكعبة, رمز وحدة العرب, ثم وحدة المسلمين بعد أن أنعم الله عليهم بالإسلام. لكنا ابتلينا في عصرنا ببشر كالطير الأبابيل.
ليتخيل كل منا أنه خرج في نزهة مع أسرته, وفجأة ـ أجارنا الله وإياكم من كل شر ومكروه ـ يسقط أحد أبنائه على الأرض أمام عينيه, والدم يتضرج من أعلى رأسه, وقد ذهب في غيبوبة, من غير أن يعلم لماذا حدث ذلك, وكيف حدث. وفي المستشفى وبعد إجراء الكشف عليه, يعلم أنه أصيب برصاصة اخترقت الجمجمة, وأن الوفاة هي الأمر المحتوم! من الطبيعي أن تستغرب, وتسأل عن مصدر الرصاصة, في الوقت الذي لم تسمع صوتا لأي إطلاق نار من قريب أو بعيد. تخيل أيضا أن الرصاصة التي وقعت على رأس ابنك هي رصاصة راجعة من الأعلى قد أطلقت من سلاح كان صاحبه يطلق النار معبöرا عن فرحöهö في عرس في مكان ما من المدينة, وأن في العرس غيره من المسلحين يشاركون أهل العرس فرحتهم بإطلاق النار من أسلحة مختلفة. إنهم طيور أبابيل ترمي على رؤوس الناس رصاصا قد يصيبهم في مقتل!!
السؤال الأهم: هل يتناسب أن تقترن الأعراس (رمز استمرار الحياة) بإطلاق النار من الأسلحة (رمز الموت والدمار)¿ وهل إطلاق النار في الأعراس عادة حضارية تاريخية أصيلة من عادات مجتمعنا¿ ولماذا نبدöد كل هذا الكم الكثير من الرصاص غالي الثمن في لا شيء, وكان بالإمكان أن نقدöم قيمته المالية رöفدا ومساعدة لأهل العرس ليكون عونا لهم على مصاريف العرس التي أضحت تكلفته باهظة¿ وماذا سيستفيد أهل العرس من هذا الضجيج الذي يصم الآذان, ويجعل الخوف يسيطر على الحاضرين من ضيوفهم الذين لم يعتادوا على رؤية الأسلحة أو سماع صوت إطلاق النار¿ وما هو الشعور الذي ينتاب أرباب الأسلحة وهم يطلقون النار¿ هل هو إظهار للرجولة والبطولة والشجاعة أمام من لا يمتلك سلاحا¿ أو أنهم يشعرون بالنقص لعدم وجود هذه الصفات فيهم ويريدون أن يكملوا هذا النقص بالاستعراض بأسلحتهم¿
لم تكن الأسلحة النارية في بلادنا قديمة ليتحججوا بأن ما يفعلون عادة من عادات مجتمعنا. والسابقون من حملة السöلاح يعرفون كيف يستخدمون الأسلحة في مناسبات كهذه, بإطلاق عدد محدود من الرصاص, وتوجيه فوهات بنادقهم إلى اتجاه مأمون خال من الناس, كالجبال والمساحات الخالية من البيوت, والتناوب في إطلاق النار فردا فردا بعد أن يتقدم الناس لكيلا يلحق بهم أي ضرر لكن ما يحدث اليوم هو عكس ذلك, إذ يختلط الحابل بالنابل, وكل يطلق النار من مكانه, وفي أيö اتجاه كان, وهذا يشكل خطورة على سكان المدينة, فقد يقع الرصاص الراجع من الجو على رؤوسهم, كما حدث قبل أيام في مدينة سيئون, إذ تسببت رصاصة راجعة بوفاة الطفلة (سارة) ذات السنوات الثمان, وهي تلعب مع أقرانها في أحد (الأحواش) المغلقة التي كنا نعتقد أنها آمنة, حتى صار ما صار!
كان السابقون لا يطلقون النار إلا حين ينبغي أن تطلق لصدö عدو أو لدفاع عن النفس, ثم أن المجتمع قد تعارف على أن إطلاق النار بعدد محدد من الرصاص, هو وسيلة إعلام بخطر ما, كأن يكون استغاثة وطلبا للنجدة, أو تحذيرا من خطر كقدوم سيل أو تعرض لاعتداء, أو إعلاما بقدوم ضيف, وهو ما يطلقون عليه (التعúشöير). واليوم, وفي حمى إطلاق النار بسبب ومن غير سبب لم يعد الناس يميöزون المستغيث أو المحذöر, من العابöثö المستهتöر.
من منا لا يتذكر قصة (الراعي والذöئب), الذي أراد أن يضحك على مروءةö أهلö قريته, فكان يستغيث مدعöيا أن الذئب قد هجم على غنمه, مرة ومرتين, وحين هاجمه الذئب حقا لم يلقö الناس بالا لواجب استغاثته فكان ضحية استهتاره وعبثه.
المقترح لمحاربة ظاهرة إطلاق النار في الأعراس ــ لمن يرى أنها عادة سيئة, ويريد محاربتها ــ أن يغادر العرس عند إطلاق أول رصاصة, مشعöرا صاحب العرس أنه جاء مدعوا لمشاركته فرحته بالعرس, ولم يأتö لحضور معركة من المعارك وليفرح بعدها أهل العرس بعرسهم بمفردهم إذا قاطعهم الناس بسبب إصرارهم على إطلاق النار!