مصطفى محرم يقصي السيناريو من دائرة الأدب!

*وجدي الأهدل

ربما يبدو السيناريست المصري مصطفى محرم كاتبا ناجحا للمسلسلات الدرامية برصيد يربو على الثلاثين مسلسلا ولكنه حين يخوض في الكتابة النظرية عن “الدراما” يخونه التوفيق ويجنح إلى التجني وإصدار أحكام غير دقيقة. وهذا ما نلمسه في كتابه “الدراما والتلفزيون”(الهيئة المصرية العامة للكتاب سلسلة الفنون القاهرة 2010) الذي كان في الأصل سلسلة مقالات جمعها على عجل دون مراجعة كافية. لذا يلاحظ القارئ غياب المنهجية. وهذه المشكلة في تأليف الكتب يعاني منها معظم المؤلفين العرب مع الأسف ما يجعل مؤلفاتهم تزخر بالقول ونقيضه وتنافر الأفكار التي طرحت في البداية مع تلك التي تلتها في النهاية. ومؤلف الكتاب الذي بين أيدينا هو ممن ينطبق عليه هذا الوصف. يقسم مصطفى محرم كتابه إلى قسمين: الأول وعنوانه “الدراما”. والثاني “التلفزيون”. وتندرج تحت القسم الأول “الدراما” سبع مقالات هي: تعريف الدراما الدراما ليست فنا أدبيا نظرية المحاكاة المواقف الدرامية وعددها البناء الدرامي الدراما والتاريخ نظرية التطهير التراجيدي عند أرسطو. وفي القسم الثاني “التلفزيون” أدرج المؤلف ست مقالات هي: ثم جاء التلفزيون التلفزيون والبحث عن هوية ثقافة الصورة المتحركة الدراما والتلفزيون تجربتي في الدراما التلفزيونية ما حدث في شهر رمضان هذا العام.
الدراما لا تباع في السوبرماركت
ومقالات القسم الأول “الدراما” لا جدة فيها ويغلب عليها الطابع التعليمي وهذا ما نلاحظه بالأخص في المقالة التمهيدية “تعريف الدراما” التي شابها أيضا التكرار في إيراد تعريفات تقول الشيء نفسه بألفاظ مختلفة. وكذلك مقالة أخرى ذات نبرة تعليمية فجة هي “المواقف الدرامية وعددها” حيث يزعم مبتكر هذه البدعة وهو إيطالي اسمه (جورج بولتي) أن المواقف الدرامية عددها 36 موقفا وإنه من المستحيل إيجاد مواقف درامية غير تلك التي حددها. ويذكر مصطفى محرم الستة والثلاثين موقفا ما يوحي بأنه يوافق ضمنا على صواب نظرة (جورج بولتي) إلى الدراما وهي نظرة آلية تشبه تعليب الدراما وبيعها في سوبر ماركت لتلبية حاجة المتسوقين.. حقا إن كثيرين في الشرق والغرب يتعاملون مع الدراما تعاملا تجاريا صرفا ويحولون فن الدراما إلى سوبر ماركت مربحة لبيع منتجاتهم ولكن (جورج بولتي) يفعل ما هو أسوأ بكثير إذ هو يزعم أن سوبر ماركت الدراما لا تبيع سوى 36 صنفا لا غير! ومن بين مقالات القسم الأول نجد مقالة على قدر كبير من الأهمية عنوانها “البناء الدرامي” وفي تقديري لو أن المؤلف حذف جميع المقالات الأخرى واكتفى بتطوير هذه المقالة والتعمق في أصول البناء الدرامي وإيراد الشواهد والاستفاضة في الشروحات وتحليل نماذج من المسلسلات العربية والأجنبية لكان أنجز بالفعل كتابا عظيما كان يمكن أن يضاف بفخر إلى رصيد المكتبة العربية في مجال الدراما التلفزيونية. وفي هذه المقالة يشرح المؤلف أسباب خلود العمل الإبداعي ونجاحه عبر الأزمان. وهو يؤكد أن القصة ليست مهمة ولكن المهم هو بناؤها الدرامي. فربما تناول العشرات نفس الفكرة لكن طريقتهم في البناء الدرامي للفكرة ستكون ولاشك مختلفة وأكثرهم مهارة وإبداعا في البناء الدرامي هو الذي سيكتب لعمله الخلود. وهذا يشبه ما توصل إليه شيخنا الجاحظ حين قال: “المعاني ملقاة على قارعة الطريق”. ويستشهد المؤلف بمقولة موجزة تنسب لنجيب محفوظ حين ثار لغط حول تشابه موضوعات الأعمال الإبداعية فقال: “الفن بناء”. وهذا القول ينطبق على نجيب محفوظ نفسه فهو قد أبدع روايات خالدة عن (الحارة المصرية) وهو موضوع كتب فيه كثيرون غيره ولكنهم لم يصلوا إلى الذروة الفنية العالية التي بلغها محفوظ في المعالجة الفنية لموضوع (الحارة المصرية). ويشير المؤلف إلى الخطوات الصحيحة للبناء الدرامي وهي تبدأ أولا ب “المقدمة المنطقية”. ويضرب مثلا بمسرحية روميو وجولييت: “إن الحب العظيم يتحدى كل شيء حتى الموت نفسه”. وهذا يعني أن الكاتب عندما يجد فكرة لامعة فإنه لابد أن يحصرها في “مقدمة منطقية” تضبط عمله بحيث لا يتشتت أو يستطرد في موضوعات أخرى. والخطوة الثانية هي “الحبكة”. وفي كتابه “فن الشعر” ذكر أرسطو أن الحبكة هي أهم عناصر الدراما الست وعدها المبدأ الأول ووصفها بأنها “روح التراجيديا”. ويورد المؤلف تعريفات عديدة للحبكة “plot”. ولكن الخلط بين القصة والحبكة ظل يلقي بظله في كافة تلك التعريفات وأحسن المؤلف صنعا حين أورد كلاما مهما للروائي الإنجليزي إ.إم. فورستر يوضح الفرق بين القصة والحبكة:
” لقد عرفنا القصة بأنها سرد الأحداث المنتظمة زمنيا الحبكة تنظم أيضا الأحداث ولكن التأكيد يقع على السببية: مات الملك ثم ماتت الملكة هذه قصة. ثم ماتت الملكة من الحزن هذه هي الحبكة”(ص62).
والخطوة الثالثة في البناء الدرامي هي “الشكل”. وطبعا للشكل الذي نختاره قوانينه الخاصة التي ينبغي للكاتب الأخذ بها فكتا

قد يعجبك ايضا