أن تحضر أكثف وأعمق وأوسع
محمد مرشد الكميم

ما عليك إلا أن تعصر ذاكرتك قليلا لتسترجع من يكون مترجم كتاب جان كوهين الشهير جدا والمعنون بـ: “بنية اللغة الشعرية” فأنا على ثقة من أنها لن تحيلك إلا على أستاذ البلاغة العربية الأشهر عربيا: محمد العمري وستخذلك إذا ما حاولت تذكر المترجم المصري للكتاب نفسه ليس لأن محمد العمري مغربي الأرومة ولكن لأنه يعد من أبرز مجددي البلاغة العربية والأكثر اتصالا ومتابعة للبلاغة الجديدة وتطويراتها في الغرب ولذا وجدناه بهذه المتابعة الجادة والحثيثة يجدد بلاغتنا القديمة في مجموعة من كتبه التي طبقت شهرتها الآفاق العربية كـ: البلاغة العربية- أصولها وامتدادتها وفي بلاغة الخطاب الإقناعي وتحليل الخطاب الشعري والموازنات الصوتية في الرؤية البلاغية والممارسات الشعرية كما أنه أنزل البلاغة من عليائها وجعلها في متناول جمهور القراء بكتابه: دائرة الحوار ومزالق العنف وكتاب: منطق رجال المخزن وأوهام الأصوليين وأسهم أيضا في الحراك البلاغي العالمي بكتاب: البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول إضافة إلى ما قام به من ترجمات لكتاب هنريش بليث في البلاغة والأسلوبية وكتاب: نظرية الأدب في القرن العشرين وكتاب مارسليو داسكال عن السيميولوجيا والكتاب المذكور سلفا لجان كوهين.
أما عن اهتمامه بالبلاغة والبلاغيين المغاربة فقد أسفر جهده في ذلك عن تحقيق كتاب الإفراني: المسلك السهل في شرح توشيح ابن سهل وكتاب: الإفراني وقضايا الثقافة والأدب. وبما أن تجربته الحياتية والسياسية في تحصيل المعرفة وتدريسها كانت فريدة فقد خرج لنا بسيرة ذاتية وعلمية في جزئين الأول منهما حمل عنوان: أشواق درعية والآخر عنونه بـ: زمن الطلبة والعسكر نفس فيهما وأمتع القارئ أيما إمتاع. وأخيرا وليس آخرا توج مشروعه البلاغي بكتاب جديد ساءل فيه البلاغة وأعاد مفهمتها وراجع مشروعه بجرأة تندرج تحت ما يسمى بالنقد الذاتي.
وكتابه الأخير الذي صدرت طبعته الأولى عن دار أفريقيا الشرق عام 2013م في أكثر من (300) صفحة من القطع المتوسط جاء بعنوان تداولي هو: أسئلة البلاغة في النظرية والتاريخ والقراءة- دراسات وحوارات وتوزع في فصول ثلاثة أولها ساءل فيه النظرية والمنهج وأجاب فيه عن سؤال ماهية البلاغة وسؤال المصطلح البلاغي والنسق المعرفي وتحدث عن صلة البلاغة بالحجاج وبالأدب وبالخطاب وعرج على بلاغة الحوار وهوية الخطاب السياسي ورسالته.
أما ثاني فصول الكتاب فقد قدم عرضا تاريخيا لرحلة البلاغة الغربية وعرض لنشأة البلاغة العربية وساءل المشاريع والمنجزات فيها كاشفا عن رحلتها من البيان إلى الخطابية ومن الغرابة الشعرية إلى المناسبة الخطابية ليخلص إلى الأسر الذي وقعت فيه بلاغتنا العربية ومحاولة المغاربة الخروج بالبلاغة من النقد الانطباعي إلى التأسيس النقدي لها من خلال الخطاب النقدي الذي تناول الشعر المغربي الحديث ومعالجات التراث البلاغي التي توزعت في نظره إلى مسارين: الأول منهما أعاد إنتاجها والثاني أعاد قراءتها.
وثالث فصول الكتاب انشعب إلى قسمين: الأول منهما خصص لبعض المناقشات أو المناجزات التي جرت بين الأستاذ العمري وبين الأستاذ حميد الحميداني عن مقصدية البلاغة العربية وتخييلها وبينه وبين الأستاذ محمد مشبال عن علاقة البلاغة بالنقد الأدبي. أما القسم الثاني فقد خصصه للحوارات المجراة معه والمنشورة في بعض المجلات والصحف العربية وقد اختار من هذه الحوارات الحوار الذي أجراه معه حسن مدن عن قراءة التراث العربي والحوار الذي أجراه معه الأستاذ محمد الولي وإدريس جبري عن القراءة النسقية للبلاغة العربية والحوار الذي أجراه معه الأستاذ نور الدين أفايا حول قضايا تخليق الخطاب وكتاب دائرة الحوار ومزالق العنف والحوار الذي أجراه معه المختار الزياتي حول بلاغة الخطاب السياسي المغربي والحوار الذي أجراه معه محمد مرشد الكميم عن مشروعه البلاغي وبحثه عن بلاغة عامة.
إن ما مضى من سطور لا يوفي إطلاقا كتاب أستاذي الأجل محمد العمري حقه فالكتاب الذي يجرؤ بعد أربعين سنة من البحث في قضايا البلاغة المختلفة على طرح السؤال عن الماهية (ما البلاغة¿) محاولا تقديم إجابات مغايرة لكل الإجابات التي أثقلت القديم والجديد من كتب النقد والبلاغة العربيين تظلمه البطاقات التعريفية التي تستند غالبا على استعراض ما جاء في فهرس المحتويات وبعض ما جاء في المقدمة وما التقطته العين وقت تقليب الصفحات.
ولعل إدراكي قصور هذه العجالة عن أن تثمن جديد بلاغي بحجم الأستاذ محمد العمري وتشعر القارئ بقيمة ما فيه وضرورة أن يقرأ هو الذي يجعلني أعده بمشاركته لي متعة قراءة الكتاب وتشرب لبه في مطالعة لاحقة ففرحي الشديد بوصول الكتاب من جنة الأرض- المملكة المغربية ساقني سوقا إلى إشهاره لإعلام المهووسين بكتابات الأستاذ العم