الفساد بعد الإرهاب
عبد الحليم سيف

يتزايد الحديث هذه الأيام عن ضرورة إعلان الحرب على الفساد بعد “الحرب “على ” الإرهاب” وهو ما ينم عن شعور متعاظم بمدى خطورة هذه الآفة المتوحشة, وأثارها المدمرة على حياة المجتمع فالفساد لم يعد ظاهرة محدودة فقد تحولت إلى أزمة استشرت بشكل مهول في كل وزارة ومؤسسة ومرفق وجهاز ومحافظة ومديرية ومنظمة وحزب وجماعة بحيث التهمت بمظاهرها العفنة ما تبقى من مصالح السواد الأعظم من الشعب إلى حد أن المواطن بات مهموما يئن من وجع المكابدة وقد أضناه التعب بحثا عن مطالب المعيشة اليومية المتواضعة والبسيطة جدا.. جدا.. جدا.. التي تبقيه وأطفاله بالكاد على قيد الحياة.. يحدث هذا في الوقت الذي تتكدس فيه المليارات من العملات الصعبة من الدولار الأميركي واليورو الأوروبي والجنيه الإسترليني عند ” قلة ” خانت الأمانة..نجحت في نهب مال وثروة اليمنيين دونما رقيب أو حسيب وحتى دون خوف من الله عندما تحن ساعة الحقيقة يوم الحساب الأعظم.
ولم تعد الحقائق تخفي ما آل إليه الوضع الاقتصادي الناجم عن سنين النهب والسلب وقد طالت كل شيء وأي شيء علاوة على ما تقوم به أطراف تسعى لإعاقة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني فهي توظف ما كونته من ثروة في إحداث فوضى وعبث وتخريب للمنشآت الحيوية كتواصل تفجير أنابيب النفط والغاز المسال والاعتداءات الهمجية على محطة وأبراج الكهرباء وزيادة أعمال التقطع لناقلات النفط واغراق البلاد بسموم المخدرات ,والمهربات من الأسلحة والسيارات ونحوها , وهذه أفعال إجرامية شنيعة تكبد الوطن والشعب خسائر فادحة تقدر بمليارات الريالات.
وهذه الوقائع تؤكدها المعلومات المنشورة رسميا وأخطرها ملفات التلاعب بأسعار النفط والغاز وميناء عدن وخصخصة المؤسسات العامة والمباني الحكومية.. والحصول على أراضي الدولة والمواطنين بأسعار بخس.. والتلاعب بالمناقصات والشراء بالأمر المباشر.. وتهريب الديزل وبيعه في السوق السوداء كما يحدث هذه الأيام أضف إلى ذلك انتشار الرشوة بوسائل عديدة مثل ابتداع ” نظام التسهيلات ” أو الحصول على عمولات من شراء وتوريد المعدات والأجهزة للمؤسسات الحكومية.
ومخيفة هي نتائج الفساد منها ما نراه في أنحاء البلد وأخرى تفصح به تقارير الجهات المحلية والمؤسسات العربية والدولية. وجلها تصنف اليمن من بين بلدان العالم الأشد فقرا..فقد زاد عدد الفقراء إلى أربعة عشر مليون نسمة وهناك الآلاف الباحثين في مقالب القمامة عن لقمة خبز تسد الرمق.. فضلا عن ارتفاع نسبة الأمية بين أوساط الشباب ووجود الملايين من العاطلين عن العمل.. يحدث هذا في بلد من أغنى البلدان بثرواته الطبيعية والزراعية وجزره إلا أن المصيبة تنحصر في مفسدين التهموا كل المقدرات مثل الجراد الصحراوي.
ولا يغيب عن البال – أيضا- الصلة الوثيقة بين الفساد والإرهاب فثمة خيط سميك يربط بين هذا وذاك ابرز مظاهره في غسيل الأموال القذرة حيث يقوم المتربصون باليمن بتمويل الأعمال الإرهابية التي باتت تستهدف المنشآت المدنية والعسكرية ورجال القوات المسلحة والأمن وهذا ما أكده رئيس الجمهورية الأخ عبد ربه منصور هادي بقوله :” إن 70 % من الإرهابيين هم من الأجانب الذين صدر بهم من بلدانهم وجاءوا لتخريب اليمن “.
ولهذا يكون القول الفصل.. إن مواصلة الجيش في حملته العسكرية على الإرهاب من تنظيم القاعدة في البيضاء وشبوة ومارب وأبين لابد وان يقترن بالحرب على الفساد بهدف تجفيف منابعه ومعالجة أسبابه مع سرعة اتخاذ القوانين والإجراءات الرامية لاستعادة الأموال المنهوبة لحل الأزمة الاقتصادية من جهة ومن ناحية أخرى استثمارها في إقامة المشاريع بحيث تساعد على خلق فرص عمل لتوظيف مئات الآلاف من الخريجين بدلا من اللجوء لدول لا تمنح في مؤتمراتها المتتالية إلا وعودا وما مؤتمر لندن السابع الذي انعقد أواخر ابريل الماضي إلا رسالة بليغة تدعو اليمنيين إلى الاعتماد على أنفسهم.
الخلاصة إن الحرب على الفساد ليس شعارا يرفع.. ولا قرارا يوقع..الحرب الحقيقية للقضاء على هذا الطاعون الأسود ينبغي ألا يفرق بين من خان الثقة والأمانة ونهب المال العام وبين من ساعد وسهل في عملية التفريط بثروة الشعب وتربح هو الأخر. والحرب على الفساد والإرهاب يحتاج إلى تضافر الجهود الرسمية والشعبية وحشد كل الطاقات للمواجهة لأن الوطن في خطر وعلى كل فرد في أي موقع كان الإحساس بذلك لأنه – أي الخطر- يستهدف اليمن أرضا وبشرا ووحدة ومصيرا فلا مجال للتواكل واللامبالاة بعد اليوم.. ومن يفكر بشهواته ونزواته بغير ذلك س
