القاضي العلامة علي بن محمد الشرفي

د. عبدالعزيز المقالح


د. عبدالعزيز المقالح –
«هذا رجل من أفاضل عباد الله الذين يمشون على الأرض هونا ويحملون قلوبا بالغة الطهر والنقاء» هذه العبارة التي لا تكاد تتغير مفرداتها كنت أسمعها كثيرا من كل الذين عرفوا الفقيد العزيز العلامة القاضي علي بن محمد الشرفي وهي توجز مناقبه وتلخص معالم سيرته وهو إلى ذلك نجل شيخ الإسلام العلامة القاضي العزي محمد علي الشرفي أحد أبرز العلماء اليمنيين في القرن العشرين. وقد سار الراحل على نهج هذا الوالد العظيم في الزهد وإنكار الذات والنظر إلى الحياة الدنيا بوصفها محطة انتقال إلى دار البقاء والخلود وسبق له -أسوة بوالده- أن رفض العمل في مجال القضاء واكتفى بأن يكون مستشارا في رئاسة الوزراء لشؤون القضاء والعدل والنظر فيما يتقدم إلى رئاسة الوزراء من أحكام قبل الموافقة على وضعها موضع التنفيذ.
كنت قد عرفته عن قرب في أوائل الستينيات من القرن الماضي وتحديدا قبل قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بعامين وكان يومئذ في عنفوان نشاطه العلمي والأدبي. كما عرفت في الوقت نفسه والده الجليل وحضرت بعض حلقات الدرس التي كان علامة اليمن يرعاها في المدرسة العلمية وكان يحضر هذه الحلقات عدد من الطلاب اليمنيين وغيرهم من القادمين للدراسة على يديه من أقطار عربية وإسلامية ومن أفريقيا على وجه الخصوص حيث كانوا يتطلعون إلى أخذ العلوم الشرعية أصولها وفروعها على أيدي علماء يثقون بمتانة علمهم وصدق توجهاتهم لاسيما بعد أن كادت الأهواء السياسية والاضطرابات الفكرية قد بدأت تصادر النظرة المعتدلة القائمة على معرفة جوهر الدين الإسلامي بوصفه آخر ما وهبه الله للإنسان من الأديان السماوية التي تدعو إلى العدل والمحبة والإخاء.
من هذه البيئة العلمية الكريمة وفي ظلالها نشأ فقيدنا القاضي العلامة علي بن محمد الشرفي ومنها اغترف العلوم الشرعية واللغوية وأخذ سلوكه الذي أصبح مضرب الأمثال في الزهد وفي مشاركة الناس همومهم والبحث لها عن حلول في حدود المستطاع والممكن. وقد جمعتني به بعد عودتي من دراستي في مصر جلسات لا تنسى كان فيها النجم الذي يشع ضوءه على الحضور إذ كان يتمتع بقدرة فائقة على تنويع الأحاديث والخروج بها من مجال الفقه إلى مجال الأدب والشعر والتاريخ ويتم ذلك في تواضع جم واستعداد لتقبل الآراء والملاحظات –إن وجدت- والتعليق عليها بابتسامة لا تغيب عن شفتيه .
واللافت أنه لم يتجه إلى التأليف وكان قادرا على ذلك بل اكتفى بمساعدة والده شيخ الإسلام القاضي العزي الشرفي الذي كان يملي عليه كتابة مؤلفاته التي بلغت مائة وعشرين كتابا وإعدادها للنشر وما يؤسف له أن هذه الكتب جميعا باستثناء كتاب أو كتابين ما تزال في انتظار النشر ولهذا السبب تقريبا لم يتجه القاضي علي إلى التأليف وكتابة ما ادخرته ذاكرته المتوهجة من أفكار وقضايا وتجارب وتعليقات موضوعية على ما كان يقرأه للقدماء وللمحدثين من وجهات نظره في أمور كثيرة تلامس واقع الإنسان وعلاقته بأمور الدين والدنيا. ومن خلال معرفتي الطويلة ومتابعتي الدائمة لما كان يقرأه وما يخوض فيه من أحاديث عميقة أصبحت أرى أنه كان قادرا على التأليف لكن صدمته في بقاء كتب والده رهن انتظار النشر قد جعلته يعرف عن الكتابة. وتدوين ما يشغله من هموم فكرية واجتماعية رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع الصدöيقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

الأستاذ خالد العلواني في روايته الأولى:
في بلادنا كثير من المواهب الإبداعية التي لا تحتاج سوى إلى التشجيع والتعريف لتتمكن من تقديم أجمل الأعمال الأدبية وأروعها وقد انتهيت قبل كتابة هذه السطور من قراءة رواية (ثورة العبير) للأستاذ خالد العلواني وهي رواية بديعة في أسلوبها وموضوعها. وقد كتبها المؤلف بلغة تقطر شعرا واختار فيها من التعابير ما يرتقي ببعض فصولها إلى مصاف الشعر. تقع الرواية في 312 صفحة من القطع الكبير.

تأملات شعرية:
تعجز الكلمات كعادتها
حين تصعد أرواحهم
نحو خالقها
حيث لم يبق في وسعها
غير أن تنطوي وتطيل البكاء.
كثرتú في الزمان الأخير
النعوش
وكدنا لهول الحوادث
نفقد إحساسنا وعواطفنا
ثم كادت تجف على الحدقات
دموع العزاء.

قد يعجبك ايضا