مقاربة قضايا النص والعمل والمعاصرة الشعرية

بهذا العنوان “عتبات النص الشعري الحديث” قدم الباحث والأديب الدكتور صادق القاضي كتابا في النقد العربي الحديث صدر مؤخرا عن “مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر” التي يرأسها “الشاعر هاني الصلوي” و”نادي نجران الأدبي الثقافي”.
الكتاب دراسة نقدية تنقيبية في ظواهر ومظاهر الشعر العربي المعاصر.. في الشكل والمضمون والقيمة والماهية والوظيفة والخصوصية.. في الظواهر والأبعاد والقضايا والتحولات.. اتخذ فيه المؤلف من فضاء التناص العتباتي منطلقا موضوعيا لتحري واختبار خصائص الشعرية العربية المعاصرة في نتاجات بعض من أهم رموزها:(أدونيس وأمل دنقل وأنسي الحاج والبردوني وخليل حاوي والسياب ومحمود درويش ومحمد القيسي والمقالح ونزار قباني).
لقد جعلت الدراسة من نفسها مختبرا نقديا لجملة من الفرضيات المتعلقة بموضوعها وجوانبه التي تتسلسل حسب تسلسل مفردات عنوانها الذي يبدأ بسؤال العتبة وينتهي في حيثيات الحداثة والمعاصرة وبالتحديد فإن الفرضية المركبة التي سعت هذه الدراسة إلى معالجتها واختبار منهجيتها عليها تتلخص بالقول :إن النص الشعري العربي المعاصر ليس كذلك إلا بفعل منظومة عتباتية متكاملة لها عناصرها وعواملها ومعطياتها التي تبئر لخصائصه وخصوصياته النصية والجنسية والنوعية والوظيفية والتداولية .. وتدفع المتلقي إلى النظر إليه والتعاطي معه كنص شعري عربي معاصر .
في مداخلها النظرية مهدت الدراسة وعبر محاور عدة لقضيتها العتباتية بتوفير الأرضية النظرية للعتبات كماهية ومفهوم ومنهج نقدي وظاهرة نصية بما تضمن مفهوما خاصا للعتبة باعتبارها مبدئيا ظاهرة نصية وتناصية تتحقق في أي”عنصر بصري أو صوتي أو ذهني أو سياقي.. مصاحب للمكون اللغوي للنص “المتن” بشكل وظيفي يؤثر في تشكيل بنية النص وفي عملية تلقيه وتحليله وتأويله..” وبشكل تمثيلي فإن عنصرا ما ربما كلمة أو إشارة أو رمزا أو أيقونة أو لونا.. يمكن أن ينال استحقاقا عتباتيا إذا ما صاحب النص بشكل مخطط وهادف.
تقصت الدراسة عبر بابين بفصولهما أكبر عدد ممكن من أهم وأبرز الظواهر والمظاهر العتباتية في فضاءات العمل “الكتاب” الشعري ثم القصيدة وصولا إلى عتبات الكيان النصي بما يجيب عن التساؤلات, ويختبر الفرضيات المتعلقة بالشعرية العربية المعاصرة في عمومياتها الجنسية وتدافعاتها النوعية وخصوصياتها التأليفية..
خلال كل ذلك تمت مقاربة قضايا النص والعمل والمعاصرة الشعرية في الثقافة العربية على الأقل مما عالجته الدراسة بشكل عام واجتهدت في الإجابة عن أسئلته التي تبحث عن ماهية النص والعمل والشعر والمعاصرة من زاوية العتبات.
إن كون النص – كما وضحت الدراسة- نتاجا لالتقاء استراتيجي بين المتن والعتبات يساهم في الإجابة عن سؤال النصية وهو ما الذي يجعل من خطاب ما نصا¿! وفي الواقع يمكن افتراض أن أي خطاب لغوي دال يمكن –إذا أمكن في الحد الأدنى تحديد بنيته -أن يعد نصا أي لا بد لأي خطاب أن يتسور ولو بالحد الأدنى من العتبات ليكون نصا.
أي أن العتبات بتداخلها الشرطي مع المتن –بغض النظر عن الكم والكيف-هي التي تجعل من الخطاب نصا كما أن العتبات على مستوى آخر هي التي تجعل من النص عملا(كتابا)قابلا للانخراط في الوسط التداولى. كما أوضحنا في المداخل النظرية وسواها.
وبالتأكيد لا يعني هذا أن النص أو العمل قد أصبح أدبيا أو شعريا! حيث للأدبية والشعرية سؤال آخر يطرح على مستويات أخرى للنصية ما الشعر ¿ وما الذي يجعل من نص ما نصا شعريا¿ في الثقافة العربية على الأقل¿! وهو سؤال واضح بقدر مخاتلته وإشكالاته وقد اعتمدنا في معالجته فقط على ما يوفره الواقع الموضوعي للشعرية العربية من قرائن عتباتية على خصائص البنية الشعرية قديما وحديثا وبالشكل الذي وإن لم يقدم إجابة كاملة إلا أنه يتأسس على الواقع الموضوعي للفن الشعري الذي يتأبى بطبيعته عن أي محاولة للاختزال في تعريف أو مفهوم محدد وواضح ونهائي.
لقد افترضت الدراسة مبدئيا في إطار تبنيها لمنهجية جنيت أن موضوع الأدبية والشعرية يكمن في علاقة النص بتعالياته النصية التناصية الخمس التي تم التطرق إليها في المداخل النظرية وهي تعاليات متداخلة ومتكاملة من ضمنها التعالي العتباتي الذي اختبرت الدراسة فرضيتها الشعرية من خلاله وأيضا وبشكل أقل من خلال التعالي الأجناسي في بعض المباحث( الإشارة الأجناسية الشاعر..) ومن زاويتهما تجلت الشعرية بشكل ما نتاجا لتماثلات ومغايرات في الكيفيات البنائية للأجناس الأدبية والتي تميز النص الشعري عن النصوص الأدبية الأخرى في كيفيته البنائية كما تربط بين النص الشعري ومنظومة هائلة من النصوص والقيم التي تشكل الجنس الشعري في ثقافة معينة.
في