عبدالبـاري طاهر .. صـوت الحرية وقلمها

>إلى سر الصالحين .. والدي عبد الباري طاهر
وضاح عبد الباري طاهر
تخونني العبارة وأجد صعوبة في الكتابة عن سيدي الوالد الأستاذ عبد الباري محمد طاهر.. لا أدري من أين أبدأ.. أذكر في الصغر أني كنت أجد للوالد هيبة في نفسي وعندما كنت أنا وأختاي نقوم بالمشاغبة في البيت لم يكن يزيد الوالد على أن يأمرنا بفتح أيدينا ويضربنا بالحزام الذي يحتزم به.
كما أذكر في طفولتي أني طلبت من الوالد مبلغا من المال أمام بعض أصدقائه فزجرني ووبخني على أن لا أعود وأطلب منه المال أمام أي شخص.. وهكذا كنت إذا أردت منه شيئا كنت أطلب منه على انفراد دون أن يشعر أحد بذلك..
ما أستطيع أن أخبر به عن الوالد هو تحليه بخصلتين اثنتين هما: الحلم والعلم.. والشيء اللافت فيه هو حيازته على محبة واحترام الناس المؤالف والمخالف.. عندما أنزل إلى المراوعة أجد كثيرا من الناس يسألون عنه ويحدثونني عن نبوغه أيام دراسته في جامع المراوعة وإشارة أشياخه إليه وتقديمهم له كسيدنا العلامة الكبير عبد الرحمن حسن معوضة الأهدل والد الوالد الأستاذ عبد الرحمن حسن الأهدل كما يشيدون به وباستقامته وسمعته الحسنة..
وهكذا أينما توجهت لقيت الناس يحترمون الوالد ويحبونه حتى كأنه واحد منهم.
عاشت جدتي المرحومة غنية إبراهيم عتيق أم والدتي معنا في البيت وقامت بتربيتنا أنا وأخي وأخواتي جميعا فظل محتفظا لها بالجميل ولم يسؤها بكلمة ولم يكن يعتبرها إلا أما له وقد حدثتني أنها لما أرادت أن تترك البيت بعد بقائها فترة قصيرة بعد زواجه بالوالدة فقال لها : هذا البيت بيتك ولا يمكن أن تخرجي وظلت معنا حتى تزوجت أختي في الحديدة فنزلت لتعاونها في العناية بطفليها حتى ماتت- رحمها الله- وأسكنها فسيح جناته..
عانينا كثيرا من غياب الوالد.. وكان أكثر من عانى منا هي والدتي فقد عاشت أوقاتا صعبة قضتها في الخوف والقلق.. كنا صغارا ومع ذلك كنت أشعر بمرارة الحرمان رغم أن والدتي وجدتي كانتا تبذلان جهدهما ليعوضا علينا هذا الغياب.
في بداية الثمانينات وبعد اختفاء مفاجئ للوالد بعد حملة اعتقالات كان الوالد أشار للوالدة وابن عمتي محمد عبد الله إبراهيم الذي كان يعيش معنا بأن ننقل متاعنا ونذهب إلى بيتنا في الحديدة للعيش هناك. وكان ابن عمتى قد تواصل مع المستأجر للبيت منذ قرابة شهر لإخلاء البيت لحاجتنا إليه. ونزلنا إلى الحديدة لنجد أن الباب مقفل والمستأجر رافض لتسليم البيت كان ضابطا في الأمن كان يدعى سليم.. وضعنا متاعنا أمام البيت ونمت أنا وجدتي وابن عمتي بعد أن افترشنا كراتين نمنا عليها لمدة يومين حتى علم صديق الوالد المرحوم محمد شريف وكان ضابطا في الجوية بالأمر فجاء وكسر القفل وأدخلنا إلى البيت فأدخلنا متاعنا في غرفة وقال لنا : إذا قيل لكم من كسر الققل فقولوا محمد شريف. رحمه الله.
لم أكن – حين كنا في الحديدة – أرى الوالد إلا نادرا .. ذات مرة جاء خفية وكان محلوق الرأس كان عرس عمي أخي الوالد الأصغر محمد طاهر قريبا.. سألته إن كان سيحضر العرس فقال لي : احضروا أنتم فأنا لن أتمكن من الحضور. سألته حينها : يا أبه هل أنت مجرم¿ فضحك الوالد ملء فيه ولا يزال يذكر هذا الموقف إلى اليوم.. كان سؤالي له بسبب أني كنت أرى تخفيه وهروبه من الأمن فكنت أظن أنه يقوم بعمل غير مشروع هو السبب في هروبه وتخفيه.
لنعد إلى جدتي المرحومة غنية إبراهيم عتيق.. كانت جدتي تحب الوالد ولها اعتقاد في السادة الأهادلة وقد عرفت من الأهل عم الوالد سيدي الجد أحمد محمد طاهر وسيدي الجد علي محمد طاهر الذي حكت لي عنه كرامة شهدتها حين كانت تعيش في المراوعة أما جدي السيد أحمد محمد طاهر فقد كانت تطلب منه الدعاء وتحسن الاعتقاد فيه .. حكت لي مرة أنها باتت ذات ليلة في خوف ووجل على الوالد فرأت أناسا ذوي قمصان وعمائم بيض عرفت أنهم من السادة يقول لها أحدهم: أن لا خوف عليه فلا تقلق..
ومما أذكره عن الوالد المرحوم أحمد كتبي أحد أصدقاء الوالد المقيمين بجدة ذكر لي حين زرتهم في بيتهم: أن أحد أصدقاء الوالد في المراوعة كان أرسل معه بعض المجوهرات ليسلمها إلى أحد أقاربه في السعودية فأخدها الوالد معه ونسيها في بيت أحد أصدقائه بجدة فقام صديقه بإعطائها لأحد معاريف الوالد ليسلمها له فلم يكن منه إلا أن أخذها ولم يسلمها للوالد. وعندما عاد الوالد إلى المراوعة قام ببيع قطعة أرض وسدد بها ثمن المجوهرات التي أضاعها وعندما أخبره صديقه أنه أرسل المجوهرات مع هذا الشخص لم يعاتبه الوالد ولم يفتح معه الموضوع أبدا.
ولما نزلت مع والدي إلى تعز بدعوة من مؤسسة السعيد قبل أقل من شهر أخذ الوالد من الوالدة سبعة آلاف ريال كمصاريف. ولم يكن في حوزتي أي مبلغ من المال وعندما كنا