الفن الهابط ..نتيجة أم مهنة¿!
خالد القزحي

خالد القزحي –
(نظرة ثقافية)
لعل أبرز مظاهر الفن الدرامي الذي يستحوذ على الساحة الأدبية في اليمن هو فن المسرح الهزلي الذي يأخذ شكله على شكل اسكيتشات ومسرحيات مصغرة وغن طالت بعضها في مناسبات كأعراس أو احتفالات وبالتأكيد هذه لا يمكن أن نقارنها ببعض فرق المسرح في بعض المناطق الأكثر مدنية والتي تحاول جاهدة ان توجد بعض الأعمال المسرحية الهادفة. ومع هذا لا نستطيع ولو من باب المجازفة أن نقول أن لدينا مسرح وبالتأكيد ما زال باكرا جدا لنفكر في أن لدينا سينما وغالبا ما ننظر إلى المسلسلات اليمنية الدرامية على أنها تحاول جاهدة أن توجد دراما يمنية تعالج بعض القضايا الاجتماعية والأسرية. المشكلة غالبا بحسب اعترافات الكثير من الفنانين في معظم (إن لم نقل كل) المقابلات التلفزيونية أنه العامل المادي وعدم اهتمام الجهات المختصة بالفن ودوره في بناء المجتمع ع. ما يقلق في الأمر أن المبدع إن أحس بالإحباط بسبب العنصرين السابق ذكرهما سيكون إبداعه منحصرا على معالجة هذين الجانبين فقط ونسيان كافة الأمور المرتبطة بمهمة الفن في تحسين الوضع الثقافي والاجتماعي وخلق الوعي المعرفي في بيئة الفنان . ينحصر عمل الممثل هنا حول معالجة وضعة المادي مما يكوöن عنده الرغبة في تقديم أعماله مقابل بعض الأموال التي تحسن من وضعه المعيشي ويصبح مجال التمثيل بالنسبة له مجرد مصدر دخل أكثر من رسالة سامية تستطيع تغيير الكثير في المجتمع لتركيزه على أن ما يقوم به مجر د بضاعة يروجها بشكل يجذب الزبائن بشتى الوسائل كما سنذكر لاحقا بدلا من إيصال توعية مناسبة تخدم المجتمع. المشكلة الثانية المختصة بالجهات المعنية القادرة على احتواء وتشجيع الفنانين, إهمال هذه الجهات يجعل الفنان محبطا ثم يصير حرا في مزاولة ما يراه نافعا له كشخص من الناحية المادية. وما دامت الجهات المختصة غير مبالية بوضع الفنان فهي ايضا لا تمتلك صلاحية الإشراف عليه ولا على أعماله الفردية التي تذكرني غالبا بما يسمى بالفن التجاري الهابط من أغاني ومسارح غرضها التجارة وليس تقديم ما ينفع في المجتمع. مهما بلغت نصوص ذلك الفن الهابط من حرفية لجذب الانتباه وإغراء المتابع عن طريق كلمات أغاني هابطة تعتمد غالبا على عرض جسد المرأة ومساومتها على انوثتها أو مسارح هزلية تعتمد على إضافة أكبر قدر من النكت والحركات البدنية وعلب المكياج ذو الجودة الرديئة بما يسميها نقاد الدراما الهزلية بالكوميديا الهابطة (low comedy). هذا بحد ذاته يعتبر فشلا فنيا ذريعا في حد ذاته مهما حاول أولئك الفنانون تقديم أسبابهم بذريعة أن هذا ما يطلبه الجمهور. الفرق ما بين الفن الراقي والفن الهابط كالفرق بين المنتجات الصينية التي يتم توريدها لليمن وتلك التي يتم توريدها للدول الأوربية من نفس المصانع. تلك تدوم أكثر لأنها بجودة تسمح لها بان تدوم بينما هذه تتلف بسرعة ويتم استبدالها بما هو أفضل لأن الرديء دائما لا يدوم. الفرق واضح أيضا إن قارنا بين مسرحيات عادل إمام الكوميدية الراقية(high comedy) ومسرحيات أخرين اتجهت للهبوط عن المستوى المتوقع بسبب اعتمادها على الحركات البدنية والنكتة وأهملت الخطاب رغم أن البدايات كانت شبه واحدة . أتجنب ذكر أسماء مسرحية بالتأكيد كي لا اكون مهبطا لسمعة أحد. وبالتأكيد ما يهمنا في الأمر ليس الامثلة المذكورة وإنما أمثلتنا الحية التي نعيشها مع فنانين يمنيين. بقدر حبنا لهم بقدر محاولة ابتعادهم عن أهمية ودور الفن كرسالة واتجاههم إلى جعله دكانة تخلو إلا من بعض النكات وأساليب الإغراء لخداع الجمهور بدلا من تثقيفه.
ما دفعني للتفكير في هذا الموضوع صراحة هي تجربة عشتها مع طلابي في قسم اللغة الإنجليزية في كلية التربية بمحافظة المحويت وهم ينسقون لحفل تخرجهم حيث كانت أهم فقرات الحفل تستدعي وجود مسرح مصغر يحمل قضايا وهموم الطالب ومستقبله وما يلاقيه من تعب أيام الدراسة وما قد يلاقيه مستقبلا كقضايا ساخنة وجب تناولها ليراها المجتمع بعين الاعتبار وبالتأكيد لا مانع من وجود الابتسامة والضحك بشكل ناقد ساخر في فقرات المسرحية. وقع الاختيار على أحد الممثلين الذين لهم أدوار وإن كانت ثانوية في بعض المسلسلات التي نشاهدها على شاشات التلفاز اليمني (أتجنب ذكر اسمه احتراما للمهنة التي يزاولها), وتم التنسيق وتأخر الممثل ليحضر في الليلة السابقة للحفل وبدون أي بروفات يعد الطلاب بكل جديد ومثير رافضا أن يفصح عن ما قد تحتويه المسرحية التي سينفذها هو وفتاة شابة تستخدم أحمر الشفاة بشكل غير طبيعي وشاب عيناه تبرقان بالطموح. وفي يوم الاحتفال, الجمهور ينتظر الطلاب متهيئون للمفاجأة التي تم إحضارها من العاصمة والتي بالتأكيد ستجعل الجمهور الذي تحمس وصفق بحرارة لمجرد ذكر اسم الممثل.. ويبدأ المسرح أول ثلاثة جمل لترسم خط سير المسرحية لينقلب المسرح ما بين نك