قصص بنفس روائي
وجدي الأهدل
سجلتú القاصة الكندية (أليس مونرو) بنيلها لجائزة نوبل للأدب لعام 2013 نصرا مؤزرا لجميع كتاب وكاتبات القصة القصيرة في العالم. يجري على الثقافة العربية ما يجري على سائر الثقافات الأخرى من حولنا من حيث استحواذ فن الرواية على المشهد الإبداعي وشيوع بعض المفاهيم الخاطئة المترتبة على ذلك.. وسوف يتيح لنا الاطلاع على قصص أليس مونرو المعنونة ب «العاشق المسافر»(ترجمة أحمد الشيمي سلسلة آفاق عالمية الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة 2010) التنبه لبعض هذه المقولات وتفنيدها.
يتكون الكتاب القصصي «العاشق المسافر» من خمس قصص فقط.. وهذا يخالف توقعاتنا إذ الدارج عندنا أن تتكون المجموعة القصصية من عشر قصص كحد أدنى وهو شرط نصادفه كثيرا في المسابقات الأدبية أيضا. وأهم ميزة للقصص الخمس هو ما يمكن تسميته بالوحدة الموضوعية فأبطال القصص نساء وأماكن الأحداث هو الريف الكندي وبلداته الصغيرة. وأما الزمن فيكتسب أهمية خاصة عند القاصة أليس مونرو وهو بصورة ما أحد أوجه عبقرية هذه الكاتبة الكندية. كل القصص لديها إسناد تاريخي معين أحيانا بشكل مباشر كما في قصة «نهر منتسيونغ» التي ترتكز أحداثها على عام 1873 الذي صدر فيه أول ديوان شعري لشاعرة كندية. وأحيانا بشكل غير مباشر كما في قصة «قبل التغيير» عندما بدأت بإشارة إلى التلفزيون الذي دخل حديثا للبيوت وتمكنت بطلة القصة من مشاهدة مناظرة بين كيندي ونيكسون. يمكن القول أن أليس مونرو تكتب تاريخا لبلدها كندا بصورة مجازية وهي لذلك تقرأ بصورة تفصيلية عن تاريخ كندا والذي هو لحسن حظها قريب العهد ومعظم المدن يمكن تتبع تاريخ بناءها وتطورها.. في قصة «العاشق المسافر» التي تدور أحداثها إبان الحرب العالمية الثانية تتزوج بطلة القصة من صاحب مصنع يصنع آلات البيانو وعندما اضطرا لإغلاقه فإنه لم يتبق في كل كندا سوى ثلاثة مصانع تصنع آلة البيانو. هناك تماس قوي بين شخصيات القصص والأحداث التاريخية الهامة. إنه نسيج متشابك يعطي للقصص عمقها ودلالاتها التي تحتاج للكثير من الصبر والأناة لفهمها. ومن القصة ذات العنوان الموحي «قبل التغيير» والإشارة الرمزية إلى مناظرة كنيدي ونيكسون نستطيع تلمس التأثير الكبير الذي أحدثته الجارة الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية في حياة المجتمع الكندي وبالأخص فيما يتعلق بنشوء الفرق الدينية المسيحية الجديدة وأيضا القضايا المثيرة للجدل مثل «الإجهاض». مصدر القوة الأعظم في قصص أليس مونرو ليس فقطبراعتها في غربلة التاريخ وتصفيته بقلمها الرشيق وإنما في التوغل عميقا في داخل النفس البشرية.. هو ذا شأن لم يكن يظن بعض الأدباء أن له محلا في القصة القصيرة وكان الافتراض أن التحليل النفسي لا يتأتى إلا في نص ممتد كالرواية. تضع أليس مونرو ثقلها في التقاط تفصيلات جوهرية لنفسيات بطلات قصصها وهي في هذا الجانب تحقق تفوقا ملحوظا. استخدامها لتقنية التحليل النفسي في النصوص القصصية هو الأمر الذي حقق لها مكانة عالمية. عندما نقرأ القصة الأولى في الكتاب وعنوانها «جزيرة كورتيز» نجدها تبدو متواضعة وحبكتها بسيطة ليس فيها شيء مميزباستثناء خيط رفيع سري.. يشبه الخيط الذهبي في ورقة العملة.. وملخص القصة أن فتاة تزوجت حديثا تنتقل مع زوجها إلى مدينة فانكوفر ويسكنان في بيت بالإيجار وتعاني بطلة القصة من تسلط والدة المؤجر (مدام غوري) التي كانت تحتفظ بمفتاح احتياطي للشقة وتستخدمه للتلصص على الشقة في غياب الزوجين. الفتاة التي كانت تبحث عن عمل تعرض عليها (مدام غوري) عملا مؤقتا هو العمل جليسة لزوجها المقعد (السيد غوري) أثناء فترة غيابها في المساء. قبلت الفتاة الوظيفة وكانت تقضي معظم الوقت تقرأ للسيد غوري الصحف والمجلات وأحيانا الكتب. ولكن هذا التقارب لم يزد العلاقة بين المرأتين إلا سوءا وضغينة. يجد الزوج الشاب شقة أوسع فينتقلان إليها وتجد الفتاة وظيفة في مكتبة فتترك العمل عند مدام غوري التي تعتبرها ناكرة للمعروف! تخبو ذكرى تلك الشقة البائسة بمرور الأعوام ولكن ذكرى السيد غوري الكهل تظل تظهر في أحلامها. تعترف الزوجة الشابة في ثنايا القصة بأن السيد غوري العاجز الذي يستخدم الكرسي المتحرك قد تحول في أحلامها إلى رجل باطش يمنحها جنسا خشنا وعنيفا.. أقرب ما يكون للاغتصاب.. لقد حصل تطور في اللاشعور وتحول السيد غوري إلى رمز يمثل نوعا من الرغبات الجنسية الدفينة ونموذجا للغريزة البدائية التي اكتست لحما ورسما للتعبير عن النشاط الجنسي المستعر لعروس شابة. يظهر السيد غوري في أحلام الفتاة كقناع لإظهار المكبوت في أعماقها. إنه فلذة غريبة عن ال