رقعة عالم مضطرب
جمال حسن

يتجه العالم نحو مزيد من الفوضى فالسنوات الغناء للازدهار تقابلها كذلك النتائج السيئة لتغول الرأسمالية والتي بدأ دخانها يطفو بمزيد من الاقتتال والجوع. تقول دراسة حكومية سويدية ان 47 دولة تضم 2.7 مليار انسان مهددة بنشوب “نزاعات عنيفة كنتيجة لتأثيرات المناخ وتفاعلها مع المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية”. هذا النوع من الخطاب المشحون بمخاوف التغيرات المناخية يعزز اصوات نشطاء البيئة المناهضة لمداخن الاقتصاد الرأسمالي بعفنها الكربوني. ومصداقيته تأتي من شواهد تنذر الحضارة البشرية باحتضار مرتقب.
تغيرات مناخية بدأت تتسبب بفيضانات وجفاف ارتفاع منسوب المياه في البحار. على الصعيد الزراعي تعاني مجتمعات في افريقيا وآسيا من الامطار غير المنتظمة. تقع اليمن في المدار الأكثر عرضة لارتفاع الحرارة والملقى في الفوضى. كل تلك العوارض المناخية تنبأ بمرحلة لفطم الاستقرار السياسي. فبعد عقدين من الحرب الباردة ينشأ جزء واسع من العالم في مربعات العنف.
تثير تداعيات المناخ إلى كوارث على الصعيد البيئي فالجفاف يهدد اراضي هي موطن مئات الملايين من البشر. ومع انعدام حاجاتهم الغذائية الضرورية فإن العنف سيتفشى وربما ستنطلق في ملامح عنف داخلي أو هجرات واسعة. فالشمال الغني يسمم العالم اكثر من غيره بالكربون والعالم الفقير هو الاكثر تضرر من عوامل ارتفاع الحرارة. لكن العالم الغني سيتخذ اجراءات كذلك للنجاة من فوضى عالم مضطرب ومدد بالجوع. عبر سياسات احترازية يسميها الصحفي الامريكي كريستيان بارينتي “قارب النجاة المسلح”. أي تأمين نفسها عبر فرض ادوات امنية وعسكرية واسعة حول العالم. فالنتائج الكارثية لتلك التغيرات ستخلق مدارات اكثر حزنا إذا استعرنا عنوان الفرنسي “كلود ليفي شتراوس.
ومع سقوط عدد من الدول في الفشل وتوسع الأزمات جراء نقص الماء والغذاء فإن الدول الكبرى غير مستعدة لتخفيض كربنة اقتصادها بل ستعوض عن ذلك بالاعتماد على تقنية عسكرية عالية.
يقول وزير الدفاع الامريكي السابق روبرت غيتس: ان التعامل مع الدول الفاشلة والمقسمة هو التحدي الأمني الرئيسي في عصرنا. وهي مقولة تثير مخاوف من لجوء القوى الكبرى الى مزيد من التدخلات العسكرية. وهو بحد ذاته السيناريو المرجح للتعامل مع سقوط الدول إما بداعي حماية الاستقرار العالمي أو وهم الحرية الذي ستوزعه للشعوب المظلومة. إذ ان اقتصاد الحرب سيعود ليسيطر على مجال اوسع. فمع تفكك الدول ستنشأ الميليشيات المتحاربة وستتمادى حروب المرتزقة في بعث استبدادها على مجال الانسان العاري والخائف جوعا. إنه بصراحة تدهور أمني واسع. وستتخذ الدول الديمقراطية في امريكا وأوروبا خارج مجالها منهج دامي على أمم أضعف غير قادرة على حماية سيادتها وبالتالي ستشجع هذه الاجراءات مزيدا من التمرد وحتى نزعات الارهاب.
يمكن تسمية تلك التدابير الأمنية نوع من ادارة الفوضى في العالم وتأمين استقرار نسبي لدول غنية مغلقة في وجه دول فقيرة. وهو نهج سيرتسم بمزيد من العنصرية ضد الاجانب. فانبعاث الاتجاهات اليمينية يسيطر على الوعي المجتمعي حتى في الغرب الحر. الحريات مهددة بجرف قاسي من التطرف وصعود خطاب اليمين المشبع بوعود للتشديد على وجود العناصر الاجنبية. وبالتالي لن نرى ذلك المتاح من التعايش الذي امتازت به دول الغرب في السابق.
وفي بلد كالهند على سبيل المثل تشهد صعود حزب اليمين الهندوسي وهي حالة تطرف يقابلها التطرف الاسلامي في شبه القارة الهندية. إذ ان العنف الطائفي سيتعزز بمشاكل اقتصادية عميقة. وهذا العنف هو المشهد الشرق الاوسطي المظلم كما في العراق وسوريا. فانهيار الدول يقابله سيطرات ميليشيات هي خليط من الراديكالية والمرتزقة والجذور القبلية والطائفية. انقسامات تعززها الهويات الصغيرة لن تنجو منها الدول الغنية في الشرق الاوسط.
في كتيب للجيش الامريكي حول مكافحة التمرد يتحدث عن التفوق العسكري الامريكي الهائل والتحدي الكبير الذي يواجه الجيش والبحرية الامريكية في وجود اعداء دفعتهم لمحاربتها بطرق غير تقليدية مزجت بين التقنية الحديثة والاساليب القديمة في التمرد والإرهاب. وهذا الخطاب يحفز الجاهزية القتالية من جهة للجندي ويبرر حروبه الخارجية ومن جهة اخرى يخلق ذريعة الاستمرار في تطوير التقنية العسكرية والحفاظ على التفوق العسكري الامريكي.
لكن ماذا عن “قارب النجاة المسلح” الذي ستتخذه الولايات المتحدة لضبط العالم أو حماية امنها واستقرارها هل هي ناجحة. هل يمكن ان ينجو الاستقرار مع توسع الاضطراب وهل تكفي طائرات الدرونز وكل اشكال التقنية العسكرية الحديثة لذلك يمكن لمدى قريب لكن هناك وسائل انجع على المدى البعيد. إنها وسائل تعطي انطباعا لما يمكن ان تؤول إليه الحضارة البشرية من مصير مفجع.