نقف اليوم في رحاب الذكرى السنوية للشهيد لعام 1447هـ، وقفة إجلال وتقدير لأولئك الأبطال الأبرار الذين ارتقوا بأرواحهم الطاهرة إلى منزلة العزة والخلود. إنها مناسبة وطنية ودينية عظيمة، لا تمر مرور الكرام، بل هي محطة لتجديد العهد وتعميق الوعي. لقد قدم شهداؤنا أعظم صور العطاء والتضحية؛ فبذلوا أغلى ما يملكون وهي الروح والحياة، في سبيل الله وفي سبيل الدفاع عن الوطن وعزته وكرامته. فهم جسّدوا المعنى الحقيقي للشجاعة والشموخ، ورفضوا الذل والهوان، فكانوا سداً منيعاً أمام كل الأطماع. لقد وقفوا كالطود الشامخ في وجه كل من يحاول المساس بأمن واستقلال وسيادة الوطن، وطهّروا الأرض بدمائهم الزكية من دنس الخيانة والعمالة.
إنَّ هذه الذكرى السنوية المباركة ليست مجرد إحياء لمناسبة عابرة، بل هي وقفة إيمانية ووطنية عميقة ترسخ في وجدان الأمة قيم البذل والفداء. إن شهداءنا الأبرار، هم قناديل العزة ورمز الكرامة التي لا تُقهر. لذا، فإن احتفالنا اليوم هو تجسيد حي لوفائنا لذلك العهد المقدس، وتأكيد على أن دماءهم لم تذهب هدراً، بل أصبحت نبعاً متدفقاً للقوة والإلهام الذي يدفعنا لمواصلة مسيرة الصمود والبناء. إن إحياء هذه الذكرى هو ميزان لوعي الأمة بمسؤوليتها، فهو فرصة لتبجيل وتكريم العطاء الأسمى، وتذكير الأجيال بقيمة التضحية بالنفس في سبيل المبدأ والحق، ونستلهم من دمائهم الطاهرة معاني الصمود والثبات والعزة في مواجهة التحديات والأعداء.
إن الاحتفال بذكرى الشهيد يتجاوز كونه مجرد استذكار للمآثر والبطولات، ليصل إلى كونه منهج حياة ورسالة للأجيال؛ فالشهيد لم يرحل فحسب، بل زرع في الأمة بدمه الطاهر بذور الوعي والإحساس بالمسؤولية، مؤكداً أن الدفاع عن الدين والوطن هو أعلى مراتب التضحية. هذا الوعي الذي غرسه الشهداء هو الدرع الحقيقي الذي يحمي شبابنا من الانجرار خلف دعوات العمالة والفتنة. وفي سياق الوفاء لهذا العطاء الجليل، تقع علينا مسؤولية لا تقل أهمية، وهي رعاية أسر الشهداء؛ فتلك الأسر هي جزء أصيل من تضحية الشهيد، بل هي أمانته الغالية التي تركها في أعناقنا. إن تكريمهم وتقديم الدعم الكامل لهم، ليس منّة أو صدقة، بل هو واجب وطني وإنساني وإيماني، يثبت للأمة كلها أن التضحية في سبيل العزة والكرامة لها مكانتها وقدسيتها، وأن الوطن لن ينسى أبدًا من بذل أغلى ما يملك من أجله، ليظل هذا الوفاء لأسرهم هو البرهان العملي على صدق انتمائنا لمسيرة الشهداء العظيمة.
تحية إجلال وإكبار لشهدائنا الأبرار، ورحمة الله تغشاهم، وسلام على أرواحهم الطاهرة.
