فرانكشتاين في بغداد رواية البوكر العربية 2014م

صلاح الأصبحي

 - من فرانكشتاين لماري شيلي إلى فرانكشتاين في بغدادلأحمد سعداوي , تهب عواصف رعدية تجلب الدمار والهلاك , وتجرف في طريقها كل كائن حي بوجوده أو بغيابه روحا كا
من فرانكشتاين لماري شيلي إلى فرانكشتاين في بغدادلأحمد سعداوي , تهب عواصف رعدية تجلب الدمار والهلاك , وتجرف في طريقها كل كائن حي بوجوده أو بغيابه روحا كان أو جسدا , مدن وقرى ومجتمعات تختفى بلعنة حقد , أو بصراع فكر , وتتحول ببرهة إلى فتات, لتدفع شعوب ثمن وجودها البخس,بموت لا تفهم لماذا هكذا تموت , حيث الموت يضيق من فعل الموت , ويصبح الهدف من القتل هو الحفاظ على البقاء .
وجدت نفسي فجأة متورطا في الوقوف بين صفحات رواية (فرانكشتاين في بغداد) التي شعرت لحظتها أنها اعتقلتني بتهمة لا أدرك معناها, سوى أنها مختلفة ومدهشة , مبتكرة التصورات, فتنزلق دهشتي بها حد الغرق في متعتها لأكثر من عشر ساعات متواصلة , لم أتنفس إلا حين وجدت نظراتي تسير وراء كلمات متحدثة وقاتلة كما لو أنها تسير على قدم وساق, وأخشى أن تقذفني إحداها بشظية أو قنبلة فأفقد توازني إلى أن خرجت منها سالما جسديا لكن روحي كانت ترتطم مبتعدة من شدة الخوف والألم , وأنا أشاهد بفزع تلك الأحداث , وصورة بغداد التي تتطاير كل لحظة كالشظايا لا تستقر كما لو أن موجات رياح شباط تلاقح جينات الموت فيما بينها , تحققت فيها لعنات جلجامش وغضب عشتار لتنهي بذلك كائنا اسمه الإنسان .
 من صراخ الجرح إلى أنين الألم تعج القصة في (فرانكشتاين في بغداد) بأصوات تتداخل فيما بينها الحياة والموت , الخيال والحقيقة , الشر والخير, الثأر والإجرام ,السرد والحكي , السارد المؤلف السارد البطل , البطل الذي يخلق الحكايات والبطل المنفذ لها واقعا , كل شيء ضبابي وغائم لا تقدر على تفسيره وفهمه .
الدم يسبر على قدميه في الشوارع كلها ,كما لو كان أحد السكان الأصليين أو المالك القديم للبلدة , يزاحم الهدوء بضجيجه , يفرق الجميع ويجمع المتفرقين للبكاء والنواح , حيث روائح الجثث تفوح من زوايا الرواية , وحيث (هادي العتاك) يخيط بيده أنف جثة مثلما يخيط أقمشة حكايته كي تبدو متناسقة ومكتملة, لتتحول بقدرة قادر إلى روح هائمة على جسد مكوناته من جثث عديدة , صنعت من كل انفجار .
(إنه بشر يا ناس , إنه بشر يا عالم) صراخ يدوي به هادي سردا أو خيالا في حكايته, ليس حصار الجثث فقط من يحاصرنا بل تخفيها على السارد وعلينا , لا لنفرح بهذا الاختفاء وإنما لنغدو أكثر جدية في البحث عنها , كأنها قريبة منا وبيننا قرابة ,نفتقدها بكثرة.
“كل شيء في العائلة يحلم بشيء ما عن حسيب ,تلتئم الأحلام جميعها وتتضافر ,يعوض بعضها بعضا , يسد حلم صغير ثغرة في حلم كبير , وتتشابك خيوط الأحلامö مكونة من جديد جسدا حلميا لحسيب, يناسب روحه التي ما زالت محلقة فوق رؤوسهم جميعا, وتطلب الراحة ولا تجدها ” الرواية 44
في الرواية تسير الأحداث نحو تنميط شخوصها , وتناسق أحداثها المتشابكة في حمى الانفجارات والسيارات المفخخة , هادي العتاك من جثة إلى أخرى ومن شارع إلى آخر, حبكة مبتكرة وقائمة على مبدأ الفعل المبرر والغامض معا .
بدقة متناهية يمنح الكاتب وهما بصيصا يتابع من خلاله خياله الخصب في ملاحقة ذلك الوهم الذي يمنحه ثراء سرديا مشوقا ومفزعا في نفس الوقت , أم دانيال(إيليشوا) ذات الظلال العجيبة من الخرافة والحزن الذي لا يقبل الهزيمة ولو في مرآة تصوره وخياله , تعايش الوهم وتجعل منه بشرا يقابل بشرا آخرا مفقودا لها.
إيليشوا تلك التي تقيم في أطراف الدهشة, وتثير الذعر مع كل تصور لابنها المفقود , تغمر الحي بنثريات الحزن المتراكمة بالتجدد والتحول, وتلعب دورا مهما في حبكة الرواية والأبعاد السردية والرؤيوية التي يفرضها الروائي .
كل فصل يزيد القارئ إثارة واستفسارا أكثر يدفعه بقوة نحو الفصل الآتي كي لا تضيع عنده مسبحة القصة ولا ملامح الشخصيات أو ألوان كتانها أو يختفي أبو زيدون الحلاق, الذي يرفع يده تحية لشبح ما يمر من أمامه, وهو يقف أمام محل حلاقة يملكه, لكنها لعنة ماضيه أخفت وجوده لحقد دفين يضمره له الكثيرون بشغله كمخبر سابق في الحزب الحاكم.
(الشöسمه) هادي العتاك , هادي العيدروس , صاحب الشسمة ,بطل و جوهر الرواية ومحركها الرئيس والتي مهد لها السارد بكثير من الأحداث والشخصيات ونسج خيوطها بفتلات فنية في غاية الدقة , مما أسلمها لدورها المنوط دون أن تخفق أو تفشل , لكن صورة مضمونية لهذه الشخصية تكون هي الأهم من الحدث كاملا بما تحمل من أبعاد ورؤى هادفة مؤثرة مؤلمة, ويدهشك قدرة الروائي في ربط قصة الشسمه وتمدد أصابعها عند كل الشخصيات ليجعل وجودها محكما مضبوطا .
إن الأكاذيب أحيانا قد تصنع الخوف والرهبة , وتتحول إلى شبح

قد يعجبك ايضا