دمت السياحية.. سيمفونية الاستجمام وبلسم الطبيعة بطعم الكبريت

حامد الفقيه

يعمك سكون المشهد .. حينما تقترب أكثر لتلج في أحد مزاراتها الطبيعية يتخيل لك بخار المياه الحارة كأنك تغشي ضريح (ولي ) قدم له البخور صلة وقربة .. تعاويذ وتمتمة. لا يخطر إلى بالك أنها مدينة هائجة كلهيب البراكين التي أحرقتها يوما .. ستستيقن بذلك بمجرد غزو حبيبات العرق جنتك ثم وأنت تعرض جسدك لمائها الحار حينها تهمس لروحك مستسلما ورائحة الكبريت تملأ انفك ” لبركانك الحق يا دمت أن يقدم ذاته قربانا لك وصلاة ” ..
 منذ أعلنت منطقة دمت مدينة للسياحة العلاجية من قبل دولة مجلس الوزراء في العام 2004م لما تمتلك من مياه طبيعية حارة تنبع من أرضها البركانية فهي تنام فوق بحيرة من المياه المعدنية الكبريتية الحارة والتي جعلت منها مصحة أو مشفى علاجي للاستحمام والاستتطباب وعلاج كثير من الأمراض المستعصية التي لم تنفع معها العلاجات الكيمائية وهو ما يجعلها مؤهلة لان تحتل صدارة السياحة العلاجية .
رواية ( الفلاح أحق بثمرته )
مدينة دمت .. المدينة السياحية الساحرة الغنية بالمياه الكبريتية الساخنة النابعة من عيون طبيعية تكونت بفعل سلسلة الثورات البركانية التي شهدتها المنطقة في عصر ما قبل التاريخ كا يقول فريق جيلوجي زار المنطقة .
وأما إن سألت عن الرواية التي حفظتها دمت منذ ما قبل التاريخ ونقشتها على صخورها البركانية بخطوط تشكيلية ملفتة فكانت رواية ” الفلاح أحق بثمرته ” . فكما يحكيها الموروث الشعبي التكهني” فكان سكان المنطقة في عصر ما قبل التاريخ يدينون بديانة يومهم ( شبه الحنيفية ) وعلى جبينهم الأسمر قطرات العرق من فلاحة أرضهم السمراء .. وكان أشقاهم له من البنات الكثر وقد تفتحت أعمارهن كزهور الثمر وصارت أكبرهن في سن بلوغ ثمرتها النضج ليحتضن ثمرتها فلاح شاب يجيد عنايته بثمرة عمره فأجتمع القوم في يوم شؤم توسطه (رب الثمار الناضجة ) ونادى في القوم في كلام مبهم قائلا : أيها الفلاحون أليس الفلاح أحق بثمرته إن رغب بها عن سواه …. ) قالوا : بلى …
قال : ” أو ليست ابنتي الناضجة هي ثمرتي زرعتها سنين عدة”.
فلم يمسوا ليلتهم تلك إلا بنار دنيوية ملتهبة لتعلن ( بعدا للقوم الفاسقين ) وأحرقت الأرض السمراء فلم يبق الثمر ولا الفلاح” . وكما يقول موال المصرية العامية ” كما روى الراوي روينا .. لا بعيننا شفنا ولا رأينا “.
دمت .. التاريخ والموقع
تعتبر مدينة دمت العاصمة السياحية لمحافظة الضالع وتبعد ( 55 كيلو متر تقريبا ) شمال مركز محافظة الضالع وتتوسط مدينتا يريم وقعطبة تتوجت مدينة دمت بتاريخها القديم لموقعها الحساس على ضفتي وادي بناء كونه شريان الحياة فمن عصر الأوسانيين إلى القتبانيين وزادت أهميتها عند ما نقل الحميريون عاصمة دولتهم من مأرب إلى ظفار إبان حكم الملك ذي يزن . ولكونها على ضفتي وادي بنا بمياهه الجوفية وأرضها الزراعية الخصبة فقد شكلت موطن استقرار الإنسان اليمني القديم .
وظلت على هذا الحال من الأهمية في عصر الدويلات الإسلامية في اليمن حيث كانت تمثل دمت محطة رئيسية على طريق القوافل التجارية القادمة من عدن ولحج والضالع وقعطبة وبلغت أوج ازدهارها في عهد الدولة الطاهرية التي استمر حكمها اكثر من (75 عاما) وكانت عاصمتها المقرانة تقع على بعد (15) كيلومتر من مركز دمت حاليا التي كانت تشكل محطة هامة لتأمين القوافل التجارية .
الفوهات البركانية ( الحرضة ):
على ساح خدودها الملتهبة تنتشر نتوءات الشباب ينم ذلك عن حجم دفئها الأنثوي الساحر. يكفيك وأنت عجوز خارت قواه بلمسة يديها لترجعك فتى يافعا ومن لم يصدق يكفيه أن يغمس جسده المتهالك فقط في بركاتها الكبريتية ليقول : ” نعم الفتاة تلك ” أما نتوءات التي تزين وجه دمت الفاتن جمالا فتدعى (الحرضه) ككلمة عامية مأخوذة من المدر (الحرضي) المعد للوجبة الشعبية (السلتة) وهي فوهات خروج الحمم البركانية وبفعل ضخامة البراكين فقد تكونت هضاب بركانية تتوسطها فوهات مفتوحة إلى الأسفل إلى مستوى سطح المدينة وتمتلئ تلك الفوهات بالمياه الساخنة حد أن تحرق الجلد بفترة ثوان معدودة .
فأول تلك الفوهات البركانية وأكبرها وأكثرها ارتفاعا (الحرضة الكبرى ) أو ما يطلق عليها حرضة ( الشوله ) وهي هضبة بركانية مخروطية الشكل تتسع في القاعدة وتضيق في المنتصف تدريجيا باتجاه القمة ولها مدخل واحد عبر سلم حديدي يصل إلى قمة الفوهة وتقع وسط المدينة يتراوح قطرها 150 مترا وترتفع (100 متر) عن سطح المدينة وكما تنشر في المدينة عدد من الحرضات الأخرى :
– حرضة الربيبة الكبرى والصغرى وتقعان شمال حرضة (الشوله ).
– حرضة المبخرة وتقع جنوب الحرضة الكبرى ( الشوله ).
وتتميز هذه الحرضات بشكلها الداخلي والأخاديد الطبيعية الرائعة بالإضافة إلى العديد من الحرضات التي كانت متنفسا للبراكين

قد يعجبك ايضا