دور الكاتب في صناعة المستقبل

خالد القزحي

يستطيع الإنسان أن يعيش في بيئة صاخبة ليصبح قلمه صاخبا كما أنه يكفي أن يعيش محاطا بالإحباط ليكتب أحزانه على شكل قصيدة مليئة بالتراجيديا أو قصص مأساوية أو حتى مقالات أدبية ناقدة للوضع وللمعيشة التي تحيط به. ومع هذا تجد هناك دائما من يرسم الأمل ويتغنى بقدرته على الصبر ومغالطة الواقع بالتأكيد العوامل النفسية تكتب دورها في ملكات الكتابة ولن يكون من السهل تجاهل الواقع للحد الذي ينكر فيه الكاتب كل ما حوله ولهذا يستطيع الكاتب الأديب الهروب من واقع الاستسلام المحبط ليصل لعالم أكثر جمالا عن طريق الخيال. والخيال هو من يصيغ الأمل الجديد الذي يبحث عنه الكاتب والقارئ على وجه السواء. هنا تتحول السلبية إلى إيجابية ويتحول ما يكتبه الكاتب إلى نواة تغيير مجتمعي وربما يصل الحد الى التغيير السياسي إن وجد كما مناسبا من القراء الذين يتناولون تلك الكتابات بنوع من العناية والرغبة لتحويل مسارات تلك الكتابات الحالمة (أو بعضها) لحياة جديدة حيث تنقلب المعادلة أن الكتابات الأدبية تحصل نتاج تفاعل الكاتب بواقعه وبيئته وثقافته إلى دور الكتابة الأدبية في تغيير المجتمع وأفكاره وعاداته وتقاليده وثقافته ككل لتصبح نواة للتغيير للمستوى المطلوب والمستحسن. لو أردنا تجسيد هذه النظرية على الواقع لشبهناها بفن الهندسة المدنية أو الإلكترونية حيث يلعب الخيال الدور البارز في ذهن المصمم ليتقن مجسما خياليا لمبنى معين أو قطعة الكترونية أو حتى برنامج تطبيقي لجهاز الحاسوب.. ليس الخيال بعيدا عن الواقع ولكن يحتاج فقط لبصمات منطقية من المصمم المهندس أو المبرمج لكي يصبح ابتكاره واقعا ملموسا في الواقع التطبيقي والحياتي. الكاتب لا يقل دوره ولا تنقص أهميته عن البقية فهو يستطيع هندسة وبرمجة خيالهö بما يتناسب مع طموحاته وإبداعاته وقدرات وطاقات المجتمع المحيط. وما دمنا نتحدث عن الأعمال الأدبية وعلاقاتها بالخيال وقدرتها على تغيير الواقع بالقدر المطلوب فحري بنا أن نتحدث عن أحد أهم الأمثلة التطبيقية في عالم الخيال الأدبي المرتبطة والمؤثرة بشكل مباشر وقوي على الثقافة المجتمعية والحياة الاجتماعية التي تتغير تدريجيا تحت تأثير ذلك الخيال الأدبي التي تبثه قنوات اﻻعلام من تلفزيون وراديو; مسلسلات وأفلام وإعلانات.. وفي ذهني سيتفق كم هائل من القراء معي في تلك التغييرات الثقافية التي تحدثها هذه الوسائط حول الجميع ومن وفي مختلف الأعمار والأعراق والأجناس… تحولت الأعمال الأدبية من كلمات أدبية إلى أعمال فنية ودرامية محاكية للواقع الإفتراضي بالطبع لا أعني الواقع المعاش هنا ولكن الواقع الذي يريده المخرج والكاتب والمنتج أيضا. ربما قوة هذه الوسائط ترتكز في سرعة انتشارها وزهد اقتنائها, وهذا قد يميزها عن بقية الوسائط التي قد نسميها تقليدية حديثيا كالصحف والكتب والمجلات والمطويات المكتوبة.. ولكن ما نريد التحقق منه هو هل يمكن لقطعة أدبية أن تحصد أكبر قدر من التغيير وبسرعة.. الإجابة هي نعم ولن أجعل الأمر أحجية. يمكن النظر إلى قدرة الإعلانات(الإشهارات) الدعائية للمنتجات التي تعتمد على قصة قصيرة جدا غالبها خيالية ومرتبطة بعوالم الكمال والخيال العلمي والرومانسية المتقنة وكثير من التقنيات الأخرى لتتعامل مع المتطلبات النفسية بأسلوب متقن جدا لوضع الفكرة في عقلية ونفسية المشاهد والمستمع وإقناعه بضرورة اقتناء منتج ما وسلبه حتى حرية التفكير والاختيار, لأن الإعلان ببساطة قد غطى الجزء الأكبر من النقاش الأحادي وقام بدوره على أكمل وجه مستخدما تقنيات في غاية البراعة بعد دراسات عديدة لهرم الاحتياجات والطموحات للمجتمع المستهدف.. وبالتأكيد بقية البرامج التلفزيونية والإذاعية لها نفس الدور في وضع الخيال كواقع يعيشه المجتمع, إلا أن للإشهارات أو الإعلانات الدور الأبرزفي صنع ذلك التغيير.. إذن, خيال الكاتب ليس بعيدا عن الواقع وهذا يمكن أن يغير ثقافة إن تم إتقان عملها
يستطيع الكاتب الأديب أن يكون مهندسا لما يجب أن يكون عليه المجتمع يوما ما بمجرد أن يقرأ ما يكتبه شريطة أن يقوم بقراءة المجتمع بشكل مناسب يضمن تحقيق طموحاته وشريطة أن يكون قادرا على أن يروج ويسوق لذلك التغيير المطلوب بتقنيات احترافيه تتطلب إلزامه بمعرفة علم النفس ومجالات إنسانية يستطيع من خلالها اختيار تقنياته. للأسف نادرا جدا ما نجد هكذا أدباء فخيال الكثير منهم على الساحة اليمنية قد يتعدى خيال الجمهور أو قد تطغى الأنانية البحتة في الكتابة بتحدي القراء ومن ثم لومهم أنهم مازالوا تحت مستوى قرأة قدراتهم الإبداعية والتي لا يفهم معانيها الا نخبة معينة – بالطبع إن كانوا حقا يفهمونها- وهذا يجعل من العمل الأدبي مجرد عمل إمتاعي خالي من مقومات يحتاجها المجتمع وتكون رسالة الأديب المثقف محصورة على فئة معينة من المجتمع كذلك الذي يشتري المنتجات الصينية من السوق اليمني ويذهب ليبيعها في بكين…

قد يعجبك ايضا