غزاة العراق.. وخطبة إبليس في الجحيم

محمــد محمــد إبراهيـــــم


محمــد محمــد إبراهيـــــم –
وحدهم العرب من يعالجون أخطاءهم بالكوارث ويحاكمون الماضي كمجرم فلت من يد العدالة ويذبحون حاضرهم قربانا له ولا يعلمون أن ما أهدروه هو عمرهم الافتراضي وأن من مضى لا يمكن له أن يصلح ما أفسده على نفسه وعلى الناس وليس بإمكانه – في المقابل- حماية ما أصلحه لنفسه ومجتمعه ودولته..
ووحدهم العرب من يبحثون عن مستقبل في غور جراح الماضي ونزغات شياطينه وأضرحة أوليائه في الوقت الذي يعلمون فيه أن ضياع الحاضر يعني دمار المستقبل بكل أحلامه… تذكرت هذا وأنا أسمع نقاشا محتدما في إحدى القنوات العراقية بين أكثر من طرف سياسي عراقي وكلهم أضاعوا الحاضر ويقتتلون خلافا واتفاقا على صدام حسين إذ يختلفون في مسألة أن صدام كان رجل دولة وأنه تغلب على النفس الطائفي الذي طغى الآن لكنهم يتفقون أنه كان مجرما تجنى على السنة والشيعة.. معتبرين أن كل ما جرى للعراق حتى اللحظة سببه صدام حسين الذي ذهب ودولته الظالمة إلى مزبلة التـاريخ..
لقد أفöل صدام وبقى العراق مطعونا بغدر أبنائه التواقين لديمقراطية القوى الدولية.. استلم العلوج حقول النفط ومكامن ومفاصل الثروات واستلم العراقيون بغداد عاصمة العروبة ومدن العراق حبúلى بصراع لا يولد إلا الفöتن وثكالى هد الحقد الأعمى معالم وجودها.. لقد خرج منها الغزاة حاملين خرائط البلاد وثرواتها لشركات عملاقة تمثلهم في كل مكان ودخلها العراقيون حاملين نياشين الحرية والديمقراطية والانعتاق من الدكتاتور صدام.. لم تكن راياتهم خافقة إلا بالوهúم بل وملطخة بدماء بعضهم وعار الحاضر وخزي المستقبل الذي تترجمه البراكين الانتحارية في كل زاوية في المدن الكبرى والساحات والجامعات والمدارس ودور العبادات..
لقد أجتاح الحزن كل مشاعري على العراق الذي كان حضور دولته ضارب في وجدان العرب والعالم.. اليوم يلوك العراقيون انتصاراتهم موتا ودماء ويدفنون إخوانهم جماعات ووحدانا ويحتسون حرية ما بعد صدام حقدا وخسرانا ومبينا ليس لأنهم باعوا دولتهم باعتبارها ظالمة وارتضوا تسليم كل شيء للغازي الوديع الآتي رحمة بالعراق وليس لأن صدام أعúدöم بتلك الطريقة ورحل عن العراق فهو وغيره ليس مخلدا بل لأن العراقيين باعوا أنفسهم غيلة وعلى ملأ من العقل والبصيرة لعالم الفوضى “الحلاقة” التي حلقتú ولم تزل تحلق العراق أرضا وانسانا بشفرات الانعتاق والحرية..
لقد تهور -صدام حسين- في قراراته فأخطأ حين أساء الجوار لدولة الكويت الشقيقة المعروفة بالإنسانية والعمل الخيöر حيث كانت ولم تزل قبلة للأمل والروح العربية الوحدوية وصاحبة اليد الطولى في التنوير والحراك الثقافي الفكري المبكر في الوطن العربي.. إنها الخطيئة التي تحولت إلى كارثة وثغرة دخل منها الغزاة إلى العراق لكن هذا الخطأ لا يعني أن يحمل العراقيون رحيل دولة صدام على محمل الانتصار ويظلوا يطعنوا فيه والدولة التي أسسها وملأت الآفاق فلا يوجد أمن واستقرار وسلام وحرية في العالم في منأى عن الدولة القوية والصارمة..
لقد رحل الدكتاتور ولم ينتظر ليكون ذريعة اليوم لما يجري في العراق – وإن أراد أسرى عقد النقص والارتهان إلى ماضي عجزهم أن يعيدوا حال العراق وما يجري ويسيل من دماء إلى صدام- وعليهم وعلى كل عربي أن يسترجع التاريخ وينصف أن صدام حسين رحل بعد أن بنى دولة راسخة المعالم والوجود الدولي والقومي وجيشا لم يكن أي جيش عربي أكثر منه صيتا في الحضور العسكري والبسالة والنظام القوي ذي الشكيمة الأبرز في المخيلة الذهنية العربية..
ماذا لو ألقى الشيطان الذي قاد معارك القصف الجوي لاجتياح وغزو العراق– في لحظة إشهار توبة إبليس في الجحيم وهو ينظر حال العراق اليوم- خطبة في العراقيين ¿ فماذا سيقول ¿ بكل تأكيد سيردد اليوم مخاطبا كل عراقي: اقتل كما تريد أيها العرقي الأبي فقد انتصرنا على الدكتاتور “صدام حسين ورحلناه إلى مزبلة التاريخ” وحررناكم من جبروته لتنعموا بحقكم اليوم – غير منقوص- في الاقتتال داخل المدن وفي المدارس والجوامع والساحات العامة..
لكم أن تتمتعوا بالحرية وتدمروا المدن والمعالم التي تذكركم بقاتل الشعب والحرية خذوا ما تبقى من العراق الحضري واتركوا لنا – أيها العراقيون في البلد الصديق اللدود – صحارى العراق وحقوله المتخمة بالذهب الأسود وأنهاره العذبة وتاريخه العريق لنستنزفها ونعبد لكم طريق المستقبل فنقضي على كل ما يمكن أن يكون سببا لصراع أجيالكم القادمة فلن يكون هناك ثروة ولن يكون هناك سلطة سنحول العراق إلى غابة جميلة ومترعة بالحرية فليكن كل منكم قويا ليجد ذاته فقط فالغابة لا يسودها إلا الأقوياء.
mibrahim734777818@gmail.com

قد يعجبك ايضا