التعددية الثقافية في القرن 21
تمثل الهجرة أحد الموضوعات الأكثر إثارة للنقاشات المتعارضة حول العالم ومستقبله. وهناك باستمرار أعمال جديدة حول الهجرة على رفوف المكتبات ومن بينها كتاب أستاذ الاقتصاد في جامعة أكسفورد بول كولييه: “الهجرات الجماعية” الصادر قبل أسابيع ويدرس فيه المسائل المتعلقة بـ “الهجرة والتعددية الثقافية في القرن الحادي والعشرين”.
الفكرة الأساسية التي ينطلق منها كولييه الذي أولى الكثير من اهتماماته ودراساته للقارة الإفريقية وللفقراء فيها بشكل خاص هي قوله انه يجري في غالبية الأحيان طرح مسألة الهجرة بطريقة خاطئة. ذلك أن القضية الجوهرية في الهجرة ليست معرفة إذا كانت جيدة أو سيئة. بل السؤال الحقيقي والجوهري هو ذلك المتعلق بمسألة آثارها ونتائجها القريبة والبعيدة.
ويدرس المؤلف الآثار والنتائج المترتبة على الهجرة على مدى صفحات كتابه على ثلاثة مستويات. المستوى الأول يتعلق بالمعنيين أنفسهم أي بالمهاجرين والذين يصنفهم عامة في خانة الرابحين من الهجرةخاصة إذا كانوا قد قدموا من بلدان فقيرة جدا. فهؤلاء يتركون بلدانهم بحثا عن “حياة أفضل”.
والمستوى الثاني يتعلق بقياس آثار ونتائج الهجرة على بلدان المهاجرين والمحصلة يجدها المؤلف إيجابية عامة. فالمهاجرون يحولون غالبا “العملات الصعبة والأفكار الجيدة” نحو بلدانهم الأصلية. مع الإشارة إلى أن بعض المجموعات المهاجرة تحول نسبة كبيرة من دخلها إلى ذويها في بلدانها الأصلية.
يقدم المؤلف رقم عمليات التحويلات الإجمالي للمهاجرين في مختلف مناطق العالم إلى ذويهم وبلدانهم بـ400 مليار دولار سنويا أي ما يعادل أربعة أضعاف المساعدات الدولية . لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن هناك “ثمنا نفسيا ـ بسيكولوجيا ” لما يسميه “برنامج المساعدة غير المركزي” الذي ينفذه المهاجرون.
يفتح المؤلف قوسين في هذا السياق كي يلفت إلى أن الهجرات تغدو إذا تجاوزت حدا معينا ذات تأثير سلبي على بلدانها حيث تقترب من ظاهرة “هجرة العقول” حيث ان الأكثر ذكاء هم الذين يغادرون بلدانهم الفقيرة. ويوضح أن الكثير من الأهالي في البلدان المعنية يستثمرون في تعليم أبنائهم من أجل “تأهيلهم للهجرة” ذات يوم مستقبلا.
ويتناول المؤلف في المستوى الثالث تأثير ونتائج الهجرة على بلدان “الاستقبال”. وعلى هذا الصعيد يكتسب مفهوم “العتبة” التي يمكن الوصول إليها في ما يتعلق بعدد المهاجرين الذين يمكن استقبالهم الأهمية الأكبر. ويرى المؤلف هنا أن قدرا قليلا من التنوع يمكن أن يؤدي إلى تنشيط البلدان المعنية على الصعيد العام وإلى ” إسباغ بعض السمات المتفردة ” على أحياء محددة.
ويتطرق المؤلف إلى مسألة يرى أنها جوهرية بالنسبة للبلدان التي تتعاظم فيها أعداد المهاجرين. وهي أن الميل نحو دفع الضرائب المفروضة على العاملين يتناقص في مجتمعات هذه البلدان . هذا إلى جانب وجود من يمقتون رؤية الأجانب بينهم أو تزعجهم رائحة مآكل الأجانب أو تثير الرفض لديهم رؤية أزياء ألبسة لم يألفوها.
يصل المؤلف إلى القول ان المشكلة التي تطرحها الهجرة على بلدان استقبال المهاجرين بأعداد كبيرة ليست في مجال التشويش على الهوية الوطنية على غرار ما يطرحه اليمين المتطرف في بلد مثل فرنسا. لكن هي في إمكانية استمرار هذه البلدان في تطبيق نظام “الدولة المانحة” حسب النموذج ـ الموديل ـ الأوروبي.
الكتاب: الهجرات الجماعية.. الهجرة والتعددية الثقافية في القرن الحادي والعشرين
تأليف: بول كولييه -الناشر: الين لين لندن- 2013-الصفحات: 320 صفحة -القطع: المتوسط.
