محمد عبدالجبار راشد

نبيل نعمان


* هناك أناس يعيشون بيننا لكنهم يختلفون عن الآخرين في كثير من الأمور .. نظرتهم إلى الحياة وإلى الناس .. استشرافهم للمستقبل .. تفاؤلهم ودماثة أخلاقهم .. عصاميتهم .. خيريتهم وإحسانهم .. حبهم للآخرين .. باختصار تتجمع فيهم كل الصفات الحميدة تجعل منهم بشرا متميزين بكل ما تعنيه كلمة التميز من معنى .
محمد عبدالجبار راشد العبسي الذي غادر دنيانا الفانية ليلة الأربعاء 16 أبريل 2014 م 16 جمادى الثانية 1485 هجرية كان واحدا من هؤلاء ظل- رحمه الله- طوال حياته متمسكا بكل هذه الصفات الحميدة ولم تنل منه نوائب الدهر أو قساوة السنين , بل ظل شامخا بنظرة ثاقبة كما كان على مدى نحو ستين عاما على الأقل عندما بدأ وعيه بالحياة بالبروز وشخصيته المميزة بالتشكل وانخرط في العمل الاجتماعي والخيري مبكرا وهو لايزال شابا في مدينة عدن التي احتضنت خطواته الأولى برفقة والده الحاج محمد عبدالجبار راشد وشكلت وعيه التجاري والإنساني العام والذي ظل يرافقه طوال حياته .
لم يكن محمد عبدالجبار راشد رجلا عاديا إذا ما نظرنا اليوم الى مسيرته المليئة بالعمل والفعل المتنوع الاجتماعي والخيري والتجاري والشخصي قياسا بغيره ممن عاصروه وعرفوه سواء بعدن أو بعد أن انتقل إلى شمال الوطن وتحديدا إلى صنعاء .. فالرجل ظل على الدوام قادرا على تقديم المميز والمبتكر في العمل والعلاقات العامة وهو ما أهله ليكون محط الأنظار ومكنته من النجاح في كل خطواته .
باختصار يمكن القول ان الرجل عاش حيوية وفعلا خلاقا حيث كان أحد مؤسسي نادي الاتحاد العبسي في مدينة عدن والذي تأسس في عام 1954م من قبل أبناء المنطقة المتواجدين هناك في حينه وشغل فيه منصب أمين المال ( المسئول المالي) للنادي لعدة سنوات وكان من أوائل الذين عملوا على تشجيع التعليم وبناء المدارس في منطقة الأعبوس بمحافظة تعز وكان له الفضل الى جانب والده في بناء مدرسة النور مراوية أعبوس عام 1960م على نفقتهم الخاصة وهي المدرسة التي ظل يرعاها في سنواتها الاولى في كل شيء من تزيدها بالأدوات المدرسية وحتى دفع رواتب المعلمين الى جانب مساهمته وآخرين سواء في إطار نادي الاتحاد العبسي أو بشكل شخصي وبدعم من والده في دعم التعليم في الاعبوس وكانت مدرسة الحرية بني علي باكورة هذا الجهد في عام 1956 م ومدارس أخرى مثل التحرير مشاوز والإرشاد ظبي .
وكما كان للمرحوم عبدالجبار راشد حضوره القوي في العمل الخيري والاجتماعي فقد كان من أوائل التجار الذين عملوا بجد من أجل تعزيز هذا القطاع وكان من مؤسسي الغرفة التجارية والصناعية في العاصمة صنعاء وحمل سجلا تجاريا رقم 2 وعمل بجد من أجل تطوير هذا الإطار المؤسسي المهتم بقضايا التجارة والتجار وحفظ مصالح كافة الأطراف في وقت كانت التجارة لاتزال في بداياتها الأولى لكنه كان في حينه وكيلا لكبرى الشركات العالمية الالكترونية مثل فيليبس وهيتاشي وسانيو ووسع تجارته لتشمل مجالات مثل وكالات الطيران والشراكة في منشآت ومصانع أخرى حيث كانت الفترة خلال السبعينات والثمانيات أزهى الفترات قبل ان يعاني من انحدار في دوره التجاري ومع ذلك ظل محافظا على دوره الاجتماعي في دعم المحتاجين والاهتمام بالتعليم في منطقته حيث كان دعمه المادي مستمرا وخاصة لمدرسة النور مراوية وفي أواخر التسعينات تبنى بناء خزان مياه ( سقاية) تابع للمدرسة .
وإلى جانب هذا الدور الوطني كان معنيا مبكرا إلى جانب والده رحمهما الله في دعم الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وقدم خدمات جليلة في استمرارهما بالدعم المادي حيث كان كما يقول في مقابلة مع نشرة الخير الصادرة عن جمعية الاعبوس فرع عدن بأنه ووالده كانا يدفعان 100 شلن لكل من يتطوع للدفاع عن ثورة سبتمبر كما تم إرسال وفد من نادي الاتحاد العبسي بعدن إلى صنعاء للقاء رئيس الجمهورية عبدالله السلال لتأكيد دعم أبناء الاعبوس للثورة والجمهورية واستعدادهم للتضحية من أجل ذلك وقد سير من عدن إلى صنعاء العديد من القوافل للانضمام للقوى الشعبية المدافعة عن الجمهورية الوليدة .
هذا هو الحاج محمد عبدالجبار راشد الذي وافته المنية بعد حياة حافلة بالعطاء والانجاز لصالح الوطن والناس أكثر مما عمل من أجل مصلحته الشخصية ولهذا فإنه سيخلد في سفر العظماء الذين أسدوا خدمات جليلة وسيكتب عنه التاريخ بأحرف من نور عن مسيرته الخالدة التي أتمنى من أولاده أن يأخذوها بجدية ويؤرخوا لها من مختلف جوانبها رغم أن هناك كتابا سيصدر قريبا يؤرخ لمدرسة النور مراوية أعبوس الذي تولى مع والده بناءها في مطلع الستينات .. ولكن هناك جوانب أخرى وأدوارا كثيرة قام بها الراحل أكثر مما قدم في هذا المقال المتواضع ولا يزال الكثير ممن عاصروه وعرفوه يمكنهم تقديم الكثير عن مناقبه وأدواره وهو ما يحتاج إلى توثيق وتجميع كل ذلك في كتاب يكون مرشدا

قد يعجبك ايضا