» إدجار آلان بو« صياد الكنوز الأدبية

وجدي الأهدل

يستحوذ الكاتب الأمريكي إدجار آلان بو على لقب مؤسس فن القصة القصيرة دون منازع. هو كاتب عبقري من طراز رفيع ولم يشهد العالم مثيلا له حتى اليوم. فهو من أوائل من كتبوا قصص رجال التحري “البوليسية” وقصص الرعب وقصص الخيال العلمي. وتأثيره على الأدب يكاد يشمل العالم بأسره. على أن هذا الأديب الذي له هذا الإسهام العظيم في الأدب لم يعمر طويلا إذ أن حياته على ظهر الدنيا لم تمتد لأكثر من أربعين عاما (1809-1849) ووفاته المبكرة تعد خسارة كبرى ليس للأدب الأمريكي فقط ولكن لجميع محبي فن القصة القصيرة في مختلف الثقافات الإنسانية. هذا وما يزال سبب وفاته غامضا ومكان قبره غير معروف.. ولو تم العثور على قبره فإنه يمكن بالوسائل الطبية المتطورة التي نملكها اليوم أن نحدد سبب وفاته.
سوف نلقي هنا نظرة سريعة على إدجار آلان بو في معمله الأدبي وهو يقوم بالتحضير لكتابة قصصه القصيرة. يتيح لنا كتابه “موعدنا غدا”(ترجمة هاني حجاج كتاب الرافد العدد 58 دائرة الثقافة والإعلام الشارقة 2013) الذي يتكون من تسع قصص قصيرة أن نحظى بهذه الفرصة. والملاحظة الأولى التي نتوصل إليها بعد انتهائنا من قراءة القصص أن إدجار آلان بو يقوم بالتحضير الجيد لقصته قبل أن يجلس إلى طاولة الكتابة. إنه يختار موضوعات ذات أبعاد إنسانية عميقة منتزعة من حقب تاريخية معينة. وهو بأسلوبه المشوق وخياله الخصب يدخلنا في أجواء تلك الأزمنة الغابرة ويبتدع شخصيات تنقلنا إلى ذلك العالم ويجعلنا نعايش الظروف المأساوية التي مرت بها. وهذا يجعل منه أيضا رائدا من رواد القصة القصيرة التاريخية. وحسب علمي لم يلتفت أحد من الدارسين إلى هذا الأمر وربما يعود السبب إلى أن “القصة القصيرة التاريخية” لم يعترف بها النقاد كأحد أنواع الأدب القصصي.. وأحد القصص المهمة التي تنتمي لهذا النوع هي قصة “وادي الأشباح” التي تدور أحداثها في اليونان عام 764 ميلادية وهي السنة التي ضرب فيها الطاعون ربوع تلك البلاد وهو يصور سبعة أصدقاء سهروا يعاقرون الخمر بجوار جثمان صديقهم الملفوف في أكفانه ثم هبط عليهم شبح أسود: “لا شكل له.. ولا صفة.. لم يكن شبح إنسان.. ولا شبح إله.. لا هو من آلهة اليونان.. ولا هو من آلهة الكنعانيين.. ولا أي إله مصري..”(ص62). وللقصة أبعاد رمزية عميقة وهو يكشف في نهاية القصة عن هوية الشبح الأسود بقوله إن له – أي الشبح- صوت الألوف والألوف من الأصدقاء الذين رحلوا. القصة الثانية التي تنسج على نفس المنوال هي قصة “قناع الموت الأحمر” حيث يهاجم الطاعون بلدا أوروبيا ويحصد نصف سكانه ويقوم الدوق “بروسبيرو” حاكم تلك البلاد بالانعزال مع حاشيته في قلعة حصينة مزودة بكفايتها من المؤن ويروح يلهو ويقيم الحفلات غير عابئ بالكارثة التي حلت ببلاده ولكن في إحدى الحفلات التنكرية يحضر شخص غريب متنكرا بملابس الأموات – الكفن- فيغضب منه الأمير ويدنو منه رافعا خنجره محاولا قتله ولكن هذا الغريب يسلبه روحه. لا يذكر إدجار آلان بو تاريخا محددا ولكن يمكننا الاستنتاج أن المقصود هو الطاعون الأسود الذي اجتاح أوروبا في الأعوام 1347-1352ميلادية وأدى إلى هلاك ثلث سكان أوروبا. والقصة التاريخية الثالثة هي “البئر والبندول” التي تتحدث عن أساليب التعذيب المروعة التي يتعرض لها رجل إسباني وقع في قبضة محاكم التفتيش ثم إنقاذه في اللحظة الأخيرة من الموت بفضل وصول الجيش الفرنسي إلى مدينة توليدو الإسبانية. وكما هو معروف فإن نابليون بونابرت هو الذي ألغى محاكم التفتيش في إسبانيا. وهذا يعني أن الزمن التاريخي المفترض للقصة هو في عام 1807. تجري أحداث قصة “موعدنا غدا” في مدينة فينيسيا الإيطالية ولا يعرف تاريخها على وجه الدقة وهي عن عاشقين يفرق بينهما القدر فيقرران الانتحار في نفس الموعد الذي اتفقا عليه. وأما أجمل قصص إدجار آلان بو في هذا الكتاب فهي قصة “الرجل الذي تم استهلاكه” وهي بلا شك من روائع الأدب العالمي وأسلوبها الأصيل لم يتمكن أحد حتى الآن من تقليده على الرغم من كثرة مقلديه ومقتفي آثاره. والقصة تتماس مع التاريخ الحربي للولايات المتحدة ولكنها مكتوبة بأسلوب كوميدي غاية في الطرافة فهي تتحدث عن رجل صار أسطورة في المجتمع وأحدوثة على كل لسان إنه الجنرال “أ.ب.ج.سميث” بطل من أبطال الحرب الذي حارب الكيكابو والبيجابو – على ما يبدو من قبائل الهنود الحمر- ودحرهم. وجميع النساء مفتونات بقوام الجنرال وحلاوة صوته ووسامته وتناسق أعضائه وشاربه. وأما الرجال فيلهجون ببراعته في التصويب وشجاعته وإقدامه في الحرب. لقد قرر بطل القصة أن يذهب إلى بيت الجنرال ليتعرف عليه عن كثب وهناك يدخله خادم زنجي إلى غرفة نوم الجنرال فيتعثر بكومة غريبة ملفوفة في قماش يقوم بفتح الربطة ويكتشف أن بداخلها الجنرال! ويطلب ا

قد يعجبك ايضا